بقلم: زكية لعروسي
في ليلة أمس، شهدت لقاءً استثنائيًا جمع بين البعد الجيوسياسي والثقافي، حيث اجتمع الأستاذ علي المرعبي، مدير جريدة “كل العرب”، بوفد الأحواز العربية. كان اللقاء بمثابة مرآة تعكس تعقيدات المشهد العربي والإقليمي، بحضور مجموعة من المثقفين الذين شاركوا في نقاشات عميقة حول واحدة من أهم القضايا العربية المنسية.
قبل وصول الوفد الأحوازي، كان حواري مع الأستاذ علي المرعبي، حوارًا ذا أبعاد فكرية متعددة. وجدته رجلًا ذو بصيرة نافذة، يتمتع بمعرفة واسعة في قضايا الجيوسياسة، وآفاق الأدب، ومفاصل السوسيولوجيا الإنسانية. رجل مؤمن بمواقفه التي يبسطها بحنكة وإقناع، مستخدمًا لغة تجبرك على التأمل، وتثير فيك الإعجاب بقدرته على الدفاع عن القضايا العادلة.
ومع مرور الوقت، وصل الوفد الأحوازي، وعلى رأسه الأستاذ صلاح أبو شريف الأحوازي، رئيس الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، والأستاذ طاهر أبو نضال الأحوازي، عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات العربية في الجبهة. كانت القضية الأحوازية حاضرة بكل أبعادها التاريخية والسياسية، قضية شعب يسعى منذ عام 1925، لتحرير أرضه من قبضة التوسع الإيراني. ما ميز هذا اللقاء ليس فقط طرحهم لقضية وطنهم، بل أيضًا الطموحات الكبيرة التي يحملونها تجاه المملكة المغربية وصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في دعمهم دوليًا وعربيًا لإعلاء صوت قضيتهم على الساحة الدولية.
لم يكن الحديث مجرد استعراض للتحديات، بل كان أيضًا احتفاء بالسياسة المغربية التي أثبتت فاعليتها في الدفاع عن القضايا العادلة، سواء كانت وطنية أو عربية أو دولية. لقد رأيت في عيون الوفد الأحوازي احترامًا وتقديرًا للدبلوماسية المغربية، وثقة بأن المغرب سيكون دائمًا داعمًا لكل ما هو عادل.
يعود الصراع بين العرب والإيرانيين إلى عهود موغلة في القدم، ويتجدد في كل مرحلة عبر التاريخ. في لقاء مع وفد الأحواز العربية، برئاسة الأستاذ صلاح أبو شريف والأستاذ أبو نضال الأحوازي، أتيحت لنا فرصة استعراض القضية الأحوازية من منظور تاريخي وسياسي يربط بين ماضي الإمبراطورية الفارسية وطموحات إيران الحالية في الشرق العربي.
فمنذ ضم إيران للأحواز في عام 1925، بات واضحاً أن القضية الأحوازية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي جزء من استراتيجية إيرانية أوسع تهدف إلى توسيع نفوذها في المنطقة العربية. هذه الأطماع ليست جديدة، وإنما تتغذى على إرث الإمبراطورية الفارسية التي لطالما كانت تسعى إلى بسط سيطرتها على محيطها الجغرافي، خصوصاً الأراضي العربية الغنية بالموارد الطبيعية.
إيران، تحت غطاء دعم المستضعفين والمقاومة ضد “الاستعمار الغربي”، تعمد إلى مد أذرعها في العراق واليمن ولبنان وسوريا، مما يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية. فهل تهدف إيران حقاً إلى دعم هذه الشعوب، أم أنها تسعى إلى إعادة إحياء مشروعها الإمبراطوري؟ الإجابة تتضح بالنظر إلى سياساتها التوسعية ودورها في تأجيج النزاعات الطائفية بين السنة والشيعة في المنطقة. منذ القدم، كانت فارس تسعى لإضعاف العرب وتفتيت قوتهم، كما هو الحال اليوم عبر تدخلها في شؤون الدول العربية، مستغلة الفراغات السياسية والطائفية لفرض نفوذها. في العراق، دعمت الميليشيات المسلحة، وفي اليمن وقفت إلى جانب الحوثيين، وفي لبنان استحوذت على قرار حزب الله الذي بات أداة لنفوذها، وفي سوريا ساعدت النظام على البقاء مقابل تقديم تنازلات كبيرة على المستوى السيادي. هذه السياسات جعلت إيران لاعباً رئيسياً في تمزيق وحدة العرب.
القضية الأحوازية في هذا السياق تأخذ بعداً أعمق. فالأحواز، وهي أرض عربية غنية بالنفط والثروات، تمثل لإيران مصدر قوة اقتصادية واستراتيجية. ولكن إلى جانب ذلك، فإن السيطرة على الأحواز تعني إحكام القبضة على مدخل الخليج العربي، وفرض المزيد من النفوذ على الدول المجاورة. كما أن طمس الهوية العربية للأحواز، ومنع استخدام اللغة العربية، واستبدالها بالفارسية، هي سياسة ممنهجة لإلغاء أي مقاومة عربية قد تعترض هذا المشروع.
خلال هذا اللقاء، طرحت تساؤلات جوهرية حول جدوى الحركات التحررية في مواجهة المشروع الإيراني، وكيف يمكن لهذه الحركات أن تستعيد الزخم الذي يليق بقضية كبرى مثل قضية الأحواز. كان الحوار مع وفد الأحواز مليئاً بالتحليل العميق والربط التاريخي بين ما يحدث الآن وما حدث عبر القرون الماضية. إيران، التي تعمد إلى التدخل في شؤون الدول العربية، تحت ذريعة دعم الشعوب المضطهدة، تُظهر بوضوح أطماعها الإمبراطورية. فهي لم تتخلَ يوماً عن حلم إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية، وتعمل على تحقيق هذا الهدف من خلال استغلال الثغرات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية. بالتالي، قضية الأحواز ليست مجرد نزاع محلي، بل هي رمز لصراع أكبر بين مشروعين متناقضين: مشروع عربي يسعى للاستقلال والوحدة، ومشروع فارسي يسعى للهيمنة والتوسع. لذا، فإن دعم القضية الأحوازية لا يعني فقط الوقوف مع شعب مضطهد، بل هو أيضاً دفاع عن الهوية العربية والمستقبل العربي في مواجهة مشروع توسعي لا يزال يهدد استقرار المنطقة.
في نهاية اللقاء، وجهت مجموعة من الأسئلة للأستاذ طاهر أبو نضال الأحوازي، عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات العربية في الجبهة، لاستكشاف رؤيته حول مستقبل القضية الأحوازية. جاءت إجاباته مشبعة بالأمل، لكنها أيضًا لم تخلو من التحليل العميق للتحديات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تواجه الشعب الأحوازي:
– أستاذ طاهر أبو نضال، هل يمكنكم إطلاعنا على حدود دولة الأحواز بعد الاحتلال الفارسي، وكيف تأثرت هذه الحدود بالتقسيمات الجغرافية والسياسية التي اقتطعت أجزاء كبيرة منها؟
_ الأحواز العربية المحتلة تمتد على مساحة تبلغ حوالي 430 ألف كيلومتر مربع، وتحدها جغرافياً عدة مناطق استراتيجية:
1. غربا: تحدها دولة العراق، حيث تبدأ الحدود من مقابل محافظة العمارة العراقية.
2. جنوبا: تحدها محافظة البصرة العراقية، ومن جهة الأحواز توجد مدينتا عبادان والمحمرة في أراضي دولة الأحواز. يفصل بينهما وبين البصرة نهر شط العرب.
3. شرقا: يمتد شرق دولة الأحواز على طول الضفة الشرقية للخليج العربي، ابتداءً من مضيق هرمز (بندر عباس)، وهي النقطة التي تقع مقابل دول الخليج العربي كافة.
4. شمالا: تحدها جبال العرب (جبال زاغروس) التي تفصلها عن المناطق الأخرى في الشمال، بما في ذلك مناطق دولة الشعب اللُرستانية.
ما هي الدوافع الرئيسية وراء الدعوة للاستقلال للأحواز؟ الدوافع تشمل اولاها الخلاص من الاحتلال الفارسي؟
٢. الجوانب التاريخية، حيث تعتبر الأحواز أرضًا عربية محتلة منذ عام 1925. من الناحية الاقتصادية، يعاني الشعب الأحوازي من استغلال موارده الطبيعية من قبل الحكومة الإيرانية دون استفادته منها، مثل النفط والغاز. ثقافيًا، هناك قمع للهوية العربية وحقوق اللغة والتقاليد.
3- ما هي الفوائد التي يمكن تحقيقها في حال الحصول على الاستقلال الذاتي؟
-تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث سيتمكن الشعب الأحوازي من إدارة موارده الطبيعية وتخصيصها لتنمية الإقليم. كما سيعزز الاستقلال الذاتي من الحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية للشعب العربي الأحوازي.
4. ما هي الاستراتيجيات التي تتبعونها كقياة للدفاع عن الاستقلال الذاتي لتحقيق أهدافهم؟ وهل تركزون على الحلول السياسية أم العسكرية؟
-الاستراتيجيات تتنوع بين الأساليب السياسية مثل الحشد الدولي وإيصال القضية الأحوازية إلى المنظمات الدولية، وبين التحركات الشعبية الداخلية. أما الخيارات العسكرية، فقد تكون مرتبطة بتصعيد القمع الإيراني، ولكن التركيز الأساسي هو على الحلول السياسية والدبلوماسية.
5. هل تعتقدون أن المجتمع الدولي سيتعاطف مع قضية الأحواز؟ وكيف تتطلعون إلى بناء الدعم الخارجي؟
-هناك تفاؤل في الحصول على دعم المجتمع الدولي من خلال التركيز على انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا الاحتلال. يتم بناء الدعم الخارجي من خلال تحالفات مع الدول والمنظمات التي تدعم حقوق الشعوب في تقرير المصير.
6. ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه الحركة الساعية للاستقلال الذاتي في الأحواز؟
-التحديات تشمل القمع الإيراني الشديد، التضييق على النشاط السياسي، والاعتقالات. كما يواجهون تحديات خارجية مثل نقص الدعم الدولي الفعال وتجاهل القضية على المستوى العالمي.
هل ترون أن هناك إمكانية لحل وسط مع الحكومة الإيرانية يمكن أن يحقق نوعًا من الحكم الذاتي دون الانفصال الكامل؟
– البعض قد يرى إمكانية للتفاوض حول حكم ذاتي داخلي يضمن حقوق الشعب الأحوازي الثقافية والاقتصادية، لكن الشكوك حول استعداد إيران للتنازل تجعل احتمالية الحل السلمي ضئيلة.
8. كيف يؤثر التنوع العرقي والديني في الأحواز على مطالب الاستقلال الذاتي؟ وهل تتوقعون أن يكون هناك دعم واسع النطاق لهذه الفكرة؟
– الأحواز ذات أغلبية عربية، ولكن هناك تنوع في التركيبة السكانية. معظم الدعم يأتي من العرب، بينما الأقليات الأخرى قد تكون أقل انخراطًا، ولكن الحراك الوطني يهدف إلى تمثيل الجميع لضمان دعم واسع النطاق.
9. ما هو الدور الذي تلعبه الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، في مطالب الاستقلال الذاتي للأحواز؟
– تلعب الموارد الطبيعية دورًا محوريًا، حيث تعتبر الأحواز غنية بالنفط والغاز. يساهم هذا في تعزيز مطلب الاستقلال الذاتي لضمان الاستفادة من هذه الموارد في تحسين أوضاع الشعب الأحوازي بدلاً من استغلالها من قبل الدولة الإيرانية.
كيف ستتعامل الحركة مع القضايا الإقليمية الأخرى في المنطقة مثل حقوق الأقليات الأخرى، وكيف ترون مستقبل المنطقة بعد الاستقلال؟
– في المستقبل، تأمل الحركة في إقامة منطقة تتمتع بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية و احترام القيم الإنسانية و القانون الدولي الإنساني و احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و نبذ العنف و التمييز العنصري وبناء دولة مدنية تساهم في الاستقرار و الامن و بناء مجتمع حر و سعيد، حيث يمكن للجميع، بما في ذلك الأقليات، العيش بكرامة وبسلام. يُنظر إلى التعاون مع الدول الشقيقة و المجاورة كعنصر أساسي لتحقيق الاستقرار الإقليمي، حيث تُعزز العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
بناءً على هذه الرؤية،الأحواز، إذًا، ليست فقط أرضًا غنية بالموارد، بل ساحة لصراع حضاري وجيوسياسي يعكس أطماعًا قديمة تتجدد. والمستقبل الذي يتطلع إليه الشعب الأحوازي هو مستقبل يتجاوز تحرير الأرض إلى بناء دولة مدنية تساهم في الاستقرار الإقليمي، وبناء مستقبل مستدام يعكس تطلعات جميع شعوب المنطقة.