بقلم: زكية لعروسي*
انطلاقًا من تخصّصي في اللغة، تناولت في أطروحتي ظاهرة التمكّن عند النحاة العرب فيما يخص أقسام الكلام، لكنني هنا سأناقشها كظاهرة اجتماعية متجذّرة، تتلخص في سياسة “تمسكن حتى تتمكن وعاد تغول”. هذه الظاهرة، وإن اختلفت في جوهرها عن المعنى اللغوي، فإنها تسري بين كثير من النساء المتزوجات، حيث تُظهر المرأة وداعةً وخضوعًا في البداية، حتى تتمكن من السيطرة على محيطها، ومن ثم تبسط نفوذها بطرق لا تبشر بالخير.
ما دفعني لتناول هذا الموضوع هو مشهد مؤلم رأيته في أحد الفيديوهات، يجسد العلاقة المتوترة بين الزوجة وعائلة زوجها، وتحديدًا والدته. يتجلّى في هذه العلاقة جانبٌ مأساويّ يعكس صراعاً خفياً، حيث تعتبر الزوجة أن أم زوجها خصمٌ يجب مواجهته، وكأنَّ الحب لا يسع الاثنين. هنا، تُستدعى المقولة الشعبية “المرأة عدوة المرأة”، إذ توجّه الكثير من النساء عداءهن نحو أم الزوج، ظناً منهنّ أنها المنافسة الأكبر لها.
هذه الظاهرة تكشف عن جرحٍ نفسيٍّ عميق، وعن وضع مزري ونقص في فهم العلاقات الإنسانية في إطارها السليم. فالزوجة ترى زوجها محور حياتها، وتُمعن في اعتباره مكسبًا شخصيًا خالصًا، في حين ترى في والدته عِبئًا يجب التخلص منه أو على الأقل تقليص تأثيره. هنا تنقلب الموازين وتصبح القيم مغلوطة، إذ كيف تُنكِر المرأة على أم زوجها حقها الطبيعي في حب ابنها ورعايته، وهي نفسها قد تكون أمًا أو ستصبح كذلك؟
ليس من العقل أو الفطرة أن تقف المرأة حاجزًا بين الرجل وأمه، فالطبيعة تقتضي أن تكون الزوجة، التي ذاقت مشقة الولادة والأمومة، الأكثر تفهمًا لمعاناة الأم وحاجتها لرعاية ابنها. لكن في بعض الحالات، يبدو أن الكراهية والجهل يتغلبان، ليصبح الظلم منهجًا تسير عليه بعض الزوجات، رغم ما في ذلك من انحراف عن الفطرة السليمة.
إن الاعتدال مطلوب في كل شيء، ولا يُطلب من الزوجة أن تُفرط في التعامل مع عائلة زوجها، لكن الفضيلة تكمن في الاعتراف بحقوق الآخرين وفي مقدمتهم الوالدين. القسوة والتجبر يُعميان القلب، فتصبح الزوجة مستهترة بحقوق الأم، وتتجاوز حدودها في التقصير اتجاهها، وهو أمرٌ مذموم شرعًا ومنبوذٌ من قبل أغلب الأزواج.
الغيظ الذي يسكن قلوب بعض الزوجات تجاه أمهات أزواجهن هو نار تأكل صاحبته قبل غيرها. هذا الغيظ نابعٌ من الجهل والتسرع، فبعض الزوجات يسعين إلى محو ماضي الزوج وكأنه خلق من عدم او ” طاح من السماء بلا اب بلا ام بلا عائلة”، حتى في قصص الأنبياء، نجد أن سيدنا عيسى عليه السلام، الذي وُلِد بلا أب، كانت أمه مريم عليها السلام ركيزة أساسية في حياته.
لقد أرهقتُ عقلي، و” حفيت مخي” وأنا احاول ان أجد الأعذار لجهالة هاته النساء، و تبرير هذا السلوك الغريب الذي تتبعنه، نساء تعرفن حقَّ أمهاتهن ويقدّرنه، لكنهن تنكرن ذلك على أمهات أزواجهن “حلالٌ علينا، حرامٌ عليكم”، وكما تقول امي خيرة: ” إيه يا بنتي نولدوهم فيران ( الطفولة) ويرجعو ثيران (المراهقة)، ومن بعد (اي الزواج) نرجعو بحالنا بحال الجيران”، لكن الحقيقة الواضحة التي لا تغيب عن العقل أن الله سبحانه وتعالى أمر ببر الوالدين في كل الحالات، سواء كانا والدي الزوجة أو الزوج. يقول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
على الزوجة التي تُحب زوجها أن تُحبّه بكل ما يرتبط به، وأول ذلك أسرته. فلا يُمكن أن يعتبر الاب، والأم “عبئًا” أو “ثقلًا”، بل هما مصدر الحكمة والعطف والقرابة. فمن احب زوجا فليحبه ” بقشاوشو” ، وحاشا ان يكون الوالدان ” قشاوش”، ومن غير المعقول أن نسمع من الزوجة ما يدل على استنكارها لعلاقة الرجل بأمه أو اعتباره واجبًا مرهقًا بتطبيق شريعة ” العربية شينا وقديدها يفوح” ، فالزوج ” زين وأمه شينة”. إن السعي لفصل الرجل عن أمه جريمة بحق الأخلاق والقيم الإنسانية، وامهاتنا مجروحات في كبدهن” الدار دار بونا والغريب يطردنا”.
إن الزوجة التي تغرق في نار الغضب. وتستعمل الحيل والدهاء في شن حرب خفية على الأم، هي تخدع نفسها قبل غيرها، لأن “الزمن دوّار”، وهي تخوض المعركة الخطأ، فالأم ليست منافسة، ولا ضرة أو عدوة، بل هي الأصل الذي يجب احترامه مدى الحياة، وهي التي أوصى الله بها وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجنة تحت أقدامها، والحق واضح في هاته الحال، لا لبس فيه. فلا تجعلن ايتها الزوجات قلوبكن سوداء منكوسة،.
إن كل إنسان فيه شوب في القلب ، قد يجمع هذا الاخير -كما قال الغزالي- بين خنزير وكلب وشيطان وحكيم، لكن نحن من نخطط للخبث، ومن نقرر هل يكون في قلوبنا من شهوة، وجشع وكَلَبِ الخنزير، ام. يكون فيها من غضب، وعدوان وإيذاء الكلب.
فلتكسرن ايتها النساء هذا الشر ، ولتبتعدن عن نار العداوة، ليعم السلام مملكة البدن والعقل، فالله سبحانه وتعالى امدنا بشيء من الحكمة الساكنة في “حمصة عقلنا” حتي لا نمسي من الجبارين الاشقياء، ولنستخدمها في سكناتنا وحركاتنا، وتصرفاتنا اليومية، ونحيط بحقيقة الاشياء، ونستغني عن الغضب والشر، و سياسة ” تمسكني حتى تتمكني و مين تتمكني، تفرعني” وبعدها ” ديري شرع يديك وشرع اللي ليك”.
* شاعرة مغربية مقيمة في باريس