«دع عنك لومي، وداوني بالوعي»

بقلم: زكية لعروسي

المقالة التي تناولتها إحدى الصحف، والتي تحدثت عن حجز السلطات لأكثر من 250 نرجيلة في مدينة أكادير، تكشف عن مشكلة معقدة تتجاوز مسألة الإغلاق إلى أبعاد اجتماعية وثقافية عميقة. تحدثت المقالة عن مكافحة ظاهرة تدخين الشيشة بالعمد إلى إغلاق المحلات وحجز المادة المعتمدة، وكأن هذا حل سحري لمشكلة متأصلة في المجتمع، لكنها تتجاهل الحقيقة الأكثر وضوحاً: أن الوعي هو جوهر الحل وليس الإغلاق وحده.

البلاغة، كما قال الجاحظ، تكمن في الإيجاز، (البلاغة الإيجاز)، لكن بعض القضايا تحتاج إلى تفكيك وتوضيح حتى نصل إلى عمق المشكلة. فمن يحارب انتشار الشيشة، يجد نفسه في معركة مع تجارة رائجة، وطلب مستمر، وثقافة شبابية متغلغلة، وبدلاً من معالجة الجذور، يتم اللجوء إلى حلول سطحية قد تبدو ظاهرياً كخطوة إيجابية.

إن إغلاق المقاهي المخصصة للشيشة يشبه إغلاق باب دون إغلاق النوافذ او باب من دون قفل؛ إذ يبقى المصدر الأساسي للمشكلة موجوداً ومتاحاً. فالمواد الخام ما زالت في السوق، والإقبال ما زال قائماً. إن التحدي الحقيقي لا يكمن في إغلاق هذه المقاهي، بل في توعية الناس بأضرار هذه الممارسات والتأثيرات السلبية التي تخلفها على صحتهم وحياتهم. وهنا يأتي دور الأسرة، والمدرسة، ووسائل الإعلام في توجيه الشباب نحو اختيارات صحية وحياتية أفضل.

كما أشارت الحكمة الشعبية، والتي ترددها دوما امي خيرة كنصيحة لبناتها: “ولدك أو ما تربي، وراجلك أو ما تعلم”، فإن التربية هي الحل الأول قبل اللوم، وهي السبيل الوحيد لتغيير العادات الخاطئة التي تتغلغل في المجتمع. إغلاق المحلات هو تدبير آني، قد يحقق تأثيراً لحظياً، لكنه لن يعالج المشكلة من جذورها. التوعية، في المقابل، قادرة على إحداث تغيير حقيقي ودائم، لأن الشخص الواعي سيكون قادراً على اتخاذ قراراته بنفسه.

من هنا، تبرز المقارنة بين سياسة الإغلاق وسياسة التوعية. فبينما يؤدي الإغلاق إلى إبعاد المستهلكين عن مكان مادي محدد، فإن التوعية تؤدي إلى إبعاد الفكرة نفسها من أذهانهم. وفي هذه النقطة بالذات، تكمن المفارقة بين عقلية الحلول السريعة وعقلية الحلول المستدامة.

يبدو أن النقاش بين المستهلك والبائع والمستفيد هو حوار متشابك يحمل أبعاداً ثقافية واجتماعية، وهو انعكاس لنفس الفكرة التي أشار إليها أبو نواس في بيته الشهير: “دع عنك لومي”، أي أن اللوم لا يكون مجدياً إذا لم يكن مصحوباً بتوعية وإصلاح حقيقي. فالشخص الذي يدخن الشيشة في بيته دون رادع من وعي أو ضمير، يعلن بشكل غير مباشر التزامه بعقيدته الشخصية، بعيداً عن اللوم الاجتماعي أو السياسات القمعية.

في خضم هذا النقاش، يحضرنا الحلاج وأبو نواس كمثالين لشخصيات رفضت الانصياع لأحكام مجتمعية تعارض معتقداتها الشخصية والترويج لعقيدتهما ” ديني لنفسي ودين الناس للناس” وهو تناص للآية الكرمة “لكم دينكم ولي ديني” فيقول ابو نواس:

مالي وللناس، كم يلحونني سفها
ديني لوحدي ودين الناس للناس

وإن اختلفت أسباب رفضهما، فقد انتهى الأمر بكليهما إلى مصير مشترك. انتهى الامر بابي نواس في السجن بسبب حبه للخمر، وبالحلاج للصلب والحرق بسبب ” لهب تصوفه”.

وكأننا نقول إن محاولة فرض القوانين على الأفراد دون تعزيز وعيهم وإقناعهم بقيم تلك القوانين هو جهد قد يكون محكوماً بالفشل.

ختاماً، فإن المعركة مع ظاهرة تدخين الشيشة ليست مسألة بسيطة أو يمكن اختصارها في إغلاق المقاهي. بل هي معركة مع نمط حياة، مع ثقافة استهلاكية، ومع وعي مجتمعي يحتاج إلى بناء وإصلاح. وكما جاء في الحكمة: “لا يرحم الناس إلا راحم الناس”، فإن الرحمة تأتي أولاً من الوعي، والإرشاد، والتربية السليمة اثناء الصحو لا السكر، وتبدا في المهد، حتى يعي مرتكب الكبائر بما هو مرتكبه :

ولو قدرت على الإتيان جئتكم
سعيا على الوجه أو مشيا على الرأس
وقد قرأت كتابا في صفائحكم
لا يرحم الناس إلا راحم الناس

فقد لخص ابو نواس في سينيته بان التوعية الواعية والمشتركة بين المسؤولين والأسر “احسن من ألف إغلاق”.