رسائل زكية لعروسي من باريس.. وأخيرًا، «شميت حرف بلادي»

بقلم: زكية لعروسي

 

بعد أن تملكني اليأس، أضاءت عيناي مساء الجمعة في ملتقى الكتاب العربي بالمدينة الجامعية في باريس، وكان الحضور مميزًا، حضور ليس عاديًا، إنه حضور قلم أنثوي مغربي في شخص المثقفة سميرة والنبي، صاحبة القلم المْثقِّف الذي يمزج بين إحساس الشاعرة، وخيال الروائية، وحكمة وذكاء الكاتبة والصحافية الدولية. فهي نائبة رئيس الصحافة العربية في باريس، ومقدمة أخبار وبرامج إخبارية في الإعلام الفرنسي العالمي على إذاعة مونت كارلو منذ عام 2004. إنها أنثى تتنفس الثقافة والإبداع بعيدًا عن حياة البهيمية التي نتشارك فيها مع الحيوانات وأصحاب الجهل.

 

 

بوجودها في ملتقى الكتاب العربي بباريس، تأكدت أن النجوم ثابتة لا تغيب، وإن اعترض عارض في الهواء قد يسترها أو يحجبها، فتموجت حواسّي الأنثوية، وبالأخص المغربية، واهتزت بفخر لهذا الحضور الراقي. صوت “بنت بلادي سميرة والنبي” وصل إلى مسامعي ببيانه الناصع، وعيني التقت بلا واسطة بنتاج فكرها العربي المْثقِّف وأدبها الرفيع وصحافتها المتميزة، فشعرت بالفخر والاعتزاز، وأنا أتأمل ديوانها “قمر سابح في عيون الشام” وروايتها “رحلة على حين غربة”، أحسست أن الشمس تشرق من المغرب لتضيء باريس في وسط هذا الجمع الغفير من الأقلام العربية. لقد اختفى الزمان والمكان الباريسي في تلك اللحظة، وفهمت أنني مغربية بجميع حواسي، اجزائي، وأركاني في حضور هذه القامة الأدبية، سميرة والنبي.

استوعبت حينها ما كانت تردده امي خيرة في مراهقتي: “الله يجعل في كل كدية ولية”. رغم أنها لم تكن مثقفة، إلا أنها أدركت ما لم يدركه كثير من مثقفينا وكتابنا المغاربة: دور المرأة، وأهمية الانتماء، والوطنية. فزادت قناعتي أن إشعاع الوطن فكريًا وثقافيًا وعلميًا هو شيء مركب لا يتحقق إلا بحواسه الكاملة، وبعقول وأفعال تجمع بين علماء ومثقفي الداخل والخارج. شمس المغرب تضيء في الغرب بأقلام الهجرة وعقولها وطاقاتها العلمية والفكرية، وهم سبب، إلى جانب سياستنا الخارجية ودبلوماسيينا، لهذا الإشعاع.

كما أشارت الروائية سميرة والنبي في روايتها “رحلة على حين غربة”، لا يجب أن نجعل ثيابنا المغربية تبدو غريبة على أجسادنا، وللحفاظ على أصالتنا وهويتنا، وحتى لا تحمل أرواح أقلامنا زخات الغضب وهبوب القيظ، ويلوث الماء العذب السائح على ارض المهجر، لنلتفت قليلا إلى مثقفينا به، ولنفتح حقائبهم العامرة فقلب الوطن الذي منه تسري الحياة في جميع أجزائه لن يحفظ من الأمراض، والتلف السريع إلا إذا حصن من جميع جوانبه، فنحن بحاجة -كما نحتاج إلى العراف الذي يخبر عن الأمور الماضية وللكاهن لإخبارنا بالأمور المستقبلية- إلى بصيرة اقلامنا داخل وخارج الوطن، فشموخ مغربنا من توازن اعضائه، وماء وجهه من ماء متنوريه المتواجدين باراضي المهجر.