رسائل زكية لعروسي من باريس… “الرًّاجْلْ دْعِييْلُو بالزَّلْطْ”

بقلم: زكية لعروسي

عبارة رددتها ولا زالت الأم خيرة طوال مراهقتي، فلم أفهم عمقها إلا من خلال طبائع من عاشرت من محيطي الداخلي والخارجي، لأعي أن خطابها موجه للزوجات في” الرجل دعييلو بالزلط”، والمقصود بالرجل الزوج في هذا النداء. فهي تقول لبناتها وجميع النساء:

لن ابالغ إذا قلت ان امهاتنا عالمات بعلم النفس والاجتماع والاقتصاد دون وعي منهن. فقد وعين بأن المال من العوامل الأساسية التي تدفع الرجل إلى دائرة الانانية وظاهرة التعدد.

إن حب المال والإنفاق يأسران الناس ويبعدانهم من منهج تربوي سليم، وقد حذر الرسول (ص) قائلا: ” منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال”

فطلاب العلم هم قلة في زمن الربح السريع، وأما محبو المال والعاملون على جمعه والاعتداد به فهم أشد كثرة، فكلما كثر مالهم كلما طغوا وابتعدوا عن الطريق السليم، وهنا يحضرني قوله (ص) : ” لو كان لابن آدم وادين من ذهب لابتغى ثالثا، ولن يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب”.
فالإنسان ظلام بطبعه، وهو بخيل لماله، مانع لكل خير، فما بالك عندما يكثر ماله:” كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى” (سورة العلق).

كلما زاد مال الإنسان زاد بخله وجر هذا الامتلاك صاحبه إلى الطغيان وسقط فريسة الأنانية والجبروت. ولكن هذا ليس هو موضوعنا، بل هو فقط استحضار لبعض من المنقول نتوخى من خلاله فهم مقولة الام خيرة ” الرجل دعييلو بالزلط”

أمهات -كما أشرت- رضعن من تجارب الحياة وتثقفن منها لتصبحن من اهل الفلسفة والخبرة في علم سيكولوجية الرجل وطبائعه. ففي المال الجمال والنفع، وفي البنين القوة والدفع كما ورد في سورة الكهف : ” المال والبنون زينة الحياة الدنيا”، فالنفس الإنسانية جبلت على حب المال:” وتحبون المال حبا جما” (سورة الفجر).

إلا أن ولع المال بالنسبة للمرأة مرتبط بالاستهلاك، -وهذا ما نستشفه- من حياتنا اليومية بما في ذلك السفر، واللبس والمطاعم الفاخرة للتباهي، وقلي السم لمنافساتها، وصديقاتها، فلا يهمها من أين اكتسبه الزوج أو “الصاحب” ولا تحاول أن تسأل ، كل ما يهمها إنفاقه وبالطريقة التي تختار هي. أما بالنسبة للرجل وهذا هو موضوعنا، فإن المال يمكنه من العيش بكرامة ، فيعطي ولا يطلب، وينفق ولا يسأل، إلا أن هذا الإنفاق قد يكون في غير وجوه البر والصلاح، فقلة هُمْ من يحسنون جمعه وإنفاقه ، فالدين أثنى على مال كان صالحا، إذ قال (ص):” نعم المال الصالح للمرء الصالح”.

فنحن لا نقول ان الرجل لا يجوز له الاستمتاع بالمال أو ان يظهر بمظهر الفقير الكادح، إذ الغنى ليس شر كله، ولا نطلب أن يتباؤس الرجل ويظهر بالمسكنة والضعف، أو ان يستطيل بماله على الفقير والضعيف.

لكن ما تندد به النساء ان هذا المتاع سرعان ما ينقلب على الزوجة ، فيصبح نقمة عليها، وقد يحول حياتها إلى جحيم حرور، ويؤدي إلى فتنة الزوج بجره إلى هلاك اسرته وتشتيتها إما بطلب الطلاق، او البحث عن امراة اخرى لبيته، فيفتح بهذا ابواب جهنم، ناسيا العشرة وتضحية الزوجة التي” قسمات معاه الحلوة والمرة”. وهنا لا يمكن إقناع الام خيرة – الزجالة بالسليقة والام المكافحة والذكية، التي لا تنطق عن هوى- بغير هذا، فبسط الرزق على الزوج يؤدي إلى البغي والطغيان، ويزرع في نفس صاحبه- إلا من رحم الله- حب تملك ما امكن من النساء، فيصبح التعدد همه الوحيد، والتكاثر في الاولاد أشد ما يحرص عليه، مفتخرا بهذا ومعتقدا أن كثرة ماله دليل على محبة الله له واعتنائه به، والأمر ليس كذلك، فالمال يعطيه الله من يحب ومن لا يحب، حتى انه لا يبالي في مصدرهذا المال ولا في متاهات نتائجه، فقد يصبح ليله ونهاره الانكباب على كسب المال بأي وسيلة كانت، فيمسي مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، ويتغذى ويتعشى بالحرام، فإن النبي (ص)، قال:” يأتي على الناس زمان، لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال ام الحرام”

لكن ما تقصده امي خيرة بقولها “الرجل دعييلو بالزلط” يخص جانب المعاصي المتعلقة بشهوة الرجل، والتي لا تعين على طاعة الله، فيفسد على الزوج سكينته من جراء طمعه وجوره على أهله واصحابه، ورغبته الامتناهية في دوام هذا المال، فحبه لنفسه والرغبة في بقاء المال يلصق بالرجل أو المرء بصفة عامة حتى في هرمه، إذ المال بالنسبة للرجل ضمان للصحة وطول العمر، وقوة ودوام الشهوة واكتساب ما تيسر له من النساء، فقد قال الرسول (ص):”يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر”.

ما تعنيه الام خيرة هو أن المال من أكثر الاسباب في تشتيت الاسر وزيغ الرجل الذي قد يرى وهو في سن متقدمة أن لا وصول إلى اللذات والشهوات إلا بالمال، فهو وسيلة لإغراء بعض المخلوقات اللاتي لا هم لهن إلا الحصول على “راجل بكموسة ديال الفلوس” للباس الفاخر والاطعمة النفيسة في مطاعم لم تطأهن الزوجات الشريفات العفيفات ولا حلمن بها.. مخلوقات لا رصيد لها، ولا ضمير، وغير مكترثة للفتنة، بل هاجسها اخذ ” السيلفي” وتخزين قناطير مقنطرة من الذهب، وتفقير أسرة بأكملها، وتوريط الزوج في بيع آخرته وبيته.

فأين هي قوة الرجال العقلية من هذا، ألم يذكر أن الرجال قوامون على النساء، فكيف للمرأة التي نعتت بالضعف أن تذهب بعقلهم وتغرهم وتدفع بهم للفقر سواء بإثقالهم بالديون او إيداعهم السجون.

فهل المرأة أكثر عفة واستغناءا وكفافا عن المطامع، عكس الرجل الذي يغرق في الرذائل بسرعة البرق، وخسائس الاعمال؟

فعلى الوجيز، المرأة مثل ما يقول المثل المغربي” سكران وحاضي احوايجو”، أما الرجل، وإن اُعْطِي لم يرض وإن لم يعط سخط، فهو قابل للتحول وهجر الثوابت امام المال والنساء، ليصبح صغير القدر واحقر من كل حقير.. بل إنهما بلية الرجل العظمى، ليصبح المال والنساء غاية في مسار الرجل. فلم تخطا الأم خيرة وهي تكرر لنا :” اللي دارت راجلها صديقها يْرْزِيها في خوها شْقيقْها”.

وهي تكرر هذا تناست الأم الذكية آفة النيت، “فاتتها هذي”، فلم يعد الرجل يحتاج للمال ليخل بقواعد الزوجية واركانها، فالفراغ، والفقر وعدم الوعي، رمى الكثير في بطن شبكات التواصل الاجتماعي، في زمن قل فيه المال وكثر الاستهلاك، واصبحت المراة ” تفلي الراجل” خوفا من السقوط في اختلال عش الزوجية، وتعريضها للتلف، وعدم صيانة عهود الوفاء.

فمغريات الفيس والتيكتوك أصبحت من الضرورات الدنيوية للرجل والمرأة على حد سواء لنسقط في سفه من نوع آخر يجعل من الكثير منا معتوهين ، غير راشدين.. مساحات تلغي الاخلاق، والعمر، وحواجز المال، ليتساوى “المزلوط” وغير المزلوط “بو حبة” في فضاء النيت، أو ” الدجال ديال ميريكان والشينوا” كما تسميه الام خيرة.. فضاء اجْربَ وأفسد الكل إلا من وعى واستغنى، واصبح الجهلاء أصحاب موعظة وإرشاد يتولوننا في امورنا الدينية، و”عوجات الشْدَّة، والخْنونَة سايْلَة، اللي مايْفِيقُوا حتَّى تْحْمى سْبْعين قايْلة ” -على حد تعبير الام خيرة- هن سيدات امورنا الدنيوية.. ليتربع الجهل وخلاياه منابر الرأي، والرأي الآخر ، ويصبح الرأي احادي الاتجاه في جميع المواضيع…