الأساتذة: من التعليم إلى جني الزيتون

بقلم: عبد الدين حمروش

تنتشر، على وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الأيام، نكت “حامضة” عن رجال التعليم. وإن كان المقصود فئة من أطر التربية الوطنية، الذين انخرطوا في ترتيبات الإحصاء، المزمع إجراؤه ببلادنا، قريبا، إلا أن المستهدف من ذلك، في النهاية، سيظل هم جميع الأطر بدون استثناء. استمرارا في الشحن المتصاعد ضد تلك الأطر التربوية، الذي بدأ منذ سنوات، والذي تواصل بعد الإضرابات التي باشرها “المتعاقدون” منهم، خلال السنة الدراسية السابقة، أخذنا نتابع عودة الشحن ذاته، حيث الأساتذة ضحاياه الدائمون. والذريعة الحالية، التي أثارت سيل التعليقات السلبية، بحق هؤلاء الأساتذة والإداريين، هي انخراطهم في ترتيبات الإحصاء الحالي للسكنى والسكان بالمغرب.

هل في انخراط هؤلاء في الإحصاء أي مشكل مفترض؟ لأي كان؟ لا، أبدا. وإذا كان هناك من كلمة حق تقال في حق هؤلاء المنخرطين، فينبغي أن تكون شكرهم على مشاركتهم النضالية في الإحصاء. ذلك أن الانخراط في الإحصاء سيفقد أولئك أوقات راحتهم، حيث العطلة الصيفية في أوجها. ما من شك في أن هؤلاء المنخرطين، إذا امتنعوا عن المساهمة في عمليات الإحصاء، فسيعتري المسلسل الإحصائي كثير من الصعوبات التقنية واللوجستية. ولا أحد من المواطنين، من يفهمون المواطنة على وجهها الحقيقي، يتمنى ألا ينجز الإحصاء، أو تشوبه شائبة، بحيث لا تتوفر فيه نسبة النجاح.

لقد بلغ الطعن في الأساتذة الدرك الأسفل من إلسخرية والتحقير. وهناك من التدوينات من ذهب أصحابها إلى الإعلان عن نيتهم رفض التجاوب مع الأطر التي ستقوم بالإحصاء. من أين ينبع هذا الموقف السلبي من أطر التربية والتعليم؟

بشكل عام، هناك صورتان أخذتا تتكرسان داخل المجتمع منذ زمان: صورة الأساتذة الذين لا يبذلون ما هو مطلوب منهم لتعليم أبناء الشعب، وصورة الأساتذة في تهافتهم على تحقيق مصالحهم، دون مراعاة مصالح المتعلمين وأوليائهم. ولتأكيد هذا الزعم، يتم ترويج فكرة أن المعلمين والأساتذة يفرضون الدروس الخصوصية على المتعلمين (كانت منتشرة بقوة في فترة سابقة)، أو فكرة كثرة الإضرابات المزعوم أنهم يخوضونها، وما فيها من ضياع لحقوق التلاميذ (وهي مازالت مستمرة إلى اليوم).

هما فكرتان مغلوطتان في الأساس. وبدل مناقشتهما، سنقف عند مشروعية الأطر التربوية في المشاركة بالإحصاء. أولا، ينبغي الإشارة إلى أن المبادرة حرة، في وجه من وجد نفسه مؤهلا للانخراط في عملية الإحصاء. وإذ هي مفتوحة في وجه جميع الأطر، من قطاع التعليم أو من غيره، فلماذا يتم التركيز على رجال التعليم بالذات؟ ولعل في هذا السؤال الاستنكاري ما يظهر جوانب من الشحن العنيف والمجاني ضد هؤلاء؟ أما من حيث ادعاء أن رجال التعليم، بانخراطهم في الإحصاء، سيخلون بالتزاماتهم إزاء المتعلمين، فمما لا يسوغه مسوغ. ذلك أن الإدارة هي المخولة بقبول إلحاق بعض رجال التعليم والإداريين بعمليات الإحصاء، خلال فترة محدودة ومحددة في الزمن. وبالمقابل، فالإدارة التربوية ذاتها هي التي لها الحق وحدها في عدم السماح لرجال تعليم آخرين، إن كانت مشاركتهم في الإحصاء سينتح عنها تعطيل لمصالح المتعلمين.

إن عدد المنخرطين، من رجال التعليم وإدارييه، في الإحصاء لا يتجاوز بضعة آلاف من أكثر من مائتي ألف يشتغلون بالقطاع. ولذلك، فإن ” النفخ” في الموضوع، أي حرمان المتعلمين من الدراسة، يراد منه إهانة المعلمين والأساتذة، عبر تحقيرهم بزعم سعيهم وراء مصالحهم الشخصية، أي وراء جني المال تحديدا. وبذلك، يظهر جزء من الصورة المتقهقرة، التي غدا عليها أطر التربية والتكوين اليوم. وهي صورة يرسمها جزء من المجتمع لجزئه الآخر، في شكل من أشكال التحارب الاجتماعي بين فئاته، بعيدا عن الأسباب الحقيقية وراء الأزمة التي يعانيها الجميع.