سؤال الدهشة
لقد أصبح مجتمعنا العربي اليوم، لا ينتج سوى البؤس الثقافي و الإبداعي و مشتقاتهما. مما أدى إلى يأس المثقف. ما أتعسك أيها المثقف اليوم. عليك أن تقدم نفسك قربانا للإبداع. ليكون الإبداع موتك الجميل. تتكئ على قلمك و تقف على حافة الصفحة البيضاء الدافئة، هروبا من حافة القبر البارد الموحش. أين ستحقق معجزتك أيها المثقف؟ هل في جنونك المكبوت و تحويله إلى صمت قاتل؟ هل في ارتطام حلمك بالواقع الذي لم تعد لك به علاقة؟ هل في تصادم الممكن و المستحيل؟
كلام الليل يمحوه النهار
في أعماق كل مثقف، بحيرة راكدة. فهل حاولت تحريك هذه المياه الراكدة في داخلك؟ لأن الثقافة غوص نحو الأعماق التي قد تموت فيها غرقا أو دهشة. كان المثقفون يموتون عشقا، وأصبحوا يموتون من الضجر. لكن أروع المثقفين قد ماتوا حزنا أو صمتوا حتى الموت. أيها المثقف، قد خنت الإبداع. فحرمت عليك شجرة الخلود. و حين ستحاول قضم ما تبقى من تفاحة آدم، ستلاحقك اللعنة إلى يوم البعث. يلاحقك الموت في حلك و ترحالك. لتنكفئ على ذاتك وتلتحف الصمت في حانات المدينة وحفرها، تغرس رأسك بين قنينات – البيرة- كالنعامة، ما دمت تستطيع إليها سبيلا، وتتلصص من خلف نظاراتك الطبية على مؤخرات الفتيات المكورة داخل سراويل الدجين وصدورهن البارزة التي حان قطافها، وهن تطفن بين الطاولات المرصوصة بماء الحياة، و تحلم بمبدعي الزمن الأول: عنترة بن شداد، امرؤ القيس، أبو نواس،المتنبي، أبو فراس الحمداني،…الخ. لتكتشف أن أجمل الإبداع قد كتب، و أن أروع المبدعين قد رحلوا، أو سكتوا وهم في طريقهم إلى الرحيل.
إنما الموت موت الرجال
مات عنترة بن شداد منذ لم تعد للعرب سيوف تذكره بثغر حبيبته عبلة. وأصبحت السيوف اليوم تباع في” بازارات” المدن العربية العتيقة للسياح لتزيين جدران بيوتهم ورياضاتهم الفاخرة. أما ثغر حبيبته عبلة، فأصبح في حاجة إلى معجون أسنان ليلمعه، و صدغيها، قد أصبح ليلهما كنهارهما في زمان شاب فيه الرضيع. مات امرؤ القيس بعد ما بكى و استبكى، ووقف واستوقف، لكنه اكتشف أن خليلته ليلى لا تستحق هذا البكاء. لأنها لم تعد جميلة في زمن الماكياج والبوتوكس، و الدجينز ذي الثقوب الباهظ الثمن، والمؤخرة المكورة. وأنها لم تعد تلك الحبيبة التي يتعذر العثور عليها وهي تهرول بين جبلي ”الدخول” و ”حومل” في زمن عربي مقيت، هيمن فيه العملاء و القوادون وتجار كل شيء. ووصلت فيه السيارات الفاخرة إلى باب كل خيمة عربية. وانتحر أبو نواس و هو يسكب في جوفه زجاجته الأخيرة. ليكتشف أن القضية العربية اليوم، أكثر تعقيدا مما يتصور. و أن قنينة “البيرة” لا تعد داءه و لا دواءه. مات أبو فراس الحمداني، منذ أصبح عصي الدمع و الحبر معا. يوم اكتشف أن النساء، لا تعشقن الرجل البكاء. و أن لا أحد يموت ظمأنا في هذا العصر. ومات المتنبي يوم مات سيف الدولة. وحين بحث عن سيف دولة آخر، لم يجد سوى الأراجيز والدمى، تتسلى بها قوى الأرض و السماء. فهل غادر المثقفون، منذ أن أصبح النفط حبرنا الوحيد، و الدولار معبودنا الأول و الأخير؟ فماذا تبقي للمثقف ليكتب/ يتحدث عنه؟ لم يعد له ما يكتب عنه. إنه يراوغ فقط، يختفي خلف كلماته المتقاطعة المطلسمة التي لا تحمل معنى عموديا و لا أفقيا. إن المثقف الحقيقي لا يعمر طويلا، لأنه يموت واقفا كالشجرة. أما التماسيح، فتعمر طويلا، وتتحول عبر الأزمنة والعصور إلى مخلوقات أخرى، يتعذر التعرف عليها.