الوزير محمد المهدي بنسعيد و تحديات التصنيع… (بقلم: أيوب العياسي)

*بقلم: أيوب العياسي

 

يؤمن الوزير الشاب على قطاعات الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد، منذ قدومه إلى الوزارة، أن توليه للمسؤولية هو فقط “هنيهة سياسية”، على حد تعبيره بنفسه. لذلك تجده هنا وهناك يتواصل ويستقبل ويدشن محاولا إرساء أوراش كبرى. وسنركز هنا في قراءتنا لعدد من الأوراش على قطاع الثقافة. الوزير يعلم أن اختلافنا الوحيد معه، بغض النظر عن الخلفيات الإيديولوجية المتباينة والتي يوحدها حب الوطن والمشي وراء التوجهات العامة التي يسطرها عاهله الملك محمد السادس، الإختلاف الوحيد يستقر حول اعتقادنا الراسخ أن الصناعات الثقافية لا يمكنها أن تجد لبنات أساسية دون تحسين القدرة الشرائية للمواطن، التي تجعل منه قادرا على استهلاك المنتوج الإبداعي والثقافي والصناعات القائمة حوله. كما أن وحدها التربية الفنية ستهيؤ لنا جماهير المستقبل. وأنه لابد من مرحلة انتقالية بين الإبداع الفني والثقافي المدعم لتثمين حق المواطن في الثقافة والمرور إلى الثقافة كصناعات قائمة ذات سوق وميكانيزمات إنتاج وتوزيع.

وهنا تبدو رغبة السياسي الشاب في الإنتقال مباشرة إلى خلق سوق داخلية للسينما، حتى نخرج من سريالية دعم الدولة لإنتاج أفلام لا تعرض في وطنها، حيث ظل لأكثر من عقدين مركب سينمائي وحيد يحتكر التوزيع السينمائي. ويقرر من ضمن الأفلام المنتجة يمكنه أن يظل في القاعة. ومن عليه مغادرتها بعد أيام معدودات. حتى صار هناك معتقد، أن سكيتشات من ساعة ونصف هي المنتوج الموجه للعائلة. والذي يمكن أن يستقدم جماهيرا مغربية للقاعات المظلمة. أمام هذا الوضع، قلنا في العديد من الإجتماعات والاحتفالات، سنوات بعد سنوات، أنه يجب التنسيق بين القطاعات ووضع المراكز الثقافية لقطاع الثقافة رهن إشارة الأفلام المغربية. حيث يمكنها أن تحقق خروجا للقاعات، إذا ما تم تجهيز هذه المراكز بالمعدات التقنية الضرورية.

وحين جاء السيد محمد المهدي بنسعيد للوزارة، رفع تحدي تجهيز وتشييد 150 قاعة سينما. وها هي وزارة الشباب والثقافة والتواصل، تنظم نهاية الأسبوع المنصرم تكوينا للمدراء والمسؤولين المعنيين بتسيير هذه القاعات. ومن هذا التكوين ببوزنيقة تسرب أن هذه القاعات التي ستستعمل في عرض السينما ستكتفي بذلك طيلة الأسبوع، ولن تكون قاعات متعدددة الإستعمال، كما كنا نعتقد! وإن كانت هذه ” الإشاعة” غير مؤكدة، فإنها تضع على الطاولة مدى جاهزية قاعات المراكز الثقافية لإحتضان العروض المسرحية. فغياب الصيانة، كان يجعل منها خشبات بلا تجهيز ولا مصابيح كافية لإضاءة العروض. وأحيانا كانت الفرق، لا تجد حتى سلما للصعود إلى المصابيح التقليدية وتهييئها للفرجة. لأن بعض مدراء هذه المراكز، سامحهم الله، يركزون على صعود السلم الإداري بدل التسيير الفني.

ولقد بدأ غيظ بعض المسرحيين يستشيط، خاصة ممن قدموا عروضا مؤخرا في المراكز الثقافية التابعة لقطاع الثقافة، حين قيل لهم أن هذه القاعات ستصير قاعات سينما، لذلك لم يتم تجهيزها بمعدات الإضاءة اللازمة، وفي المقابل جاءتها أحدث معدات البث السينمائي. لا ضير في تخصيص قاعات للسينما طيلة الأسبوع. وأخرى يمكنها أن تحتضن العروض المسرحية. على أساس إعداد دليل للمراكز الثقافية ونوعية نشاطها ومعداتها التقنية والمسؤولين عن تسييرها… وقد سبق للوزارة أن أعدت دليلا لقاعات المسارح، في عهد وزير سابق، إختفى بين عشية وضحاها من الأنترنيت.

لكننا نرى أن الثقافة يمكنها أن تغتني بفتح هذه القاعات على السينما والمسرح والندوات والقراءات الشعرية… ذلك أن البرمجة الفنية، هي أساس توزيع الحصص الزمنية بين الأنشطة الفنية، تماما كما يتم في المراكز الثقافية الأجنبية. والرغبة في بث أفلام سينمائية طيلة الأسبوع، شيء محمود. خاصة بالأثمنة التشجيعية، والتي في المتناول، التي أعلنتها الوزارة، في أفق إطلاق خمسين قاعة سينمائية، خلال هذا الأسبوع. وهذه الرغبة لا تتعارض مع أن تكون هذه القاعات متعددة الإستعمال.

وأيا كان قرار الوزير والاستراتيجية التي نهجها ليطبع هذه “الهنيهة السياسية”،على المستوى السينمائي، فإن الإستدامة في السياسات العمومية، تستدعي التفكير في إدماج خريجي الهندسة الثقافية والوساطة الثقافية والتنشيط الثقافي في تسيير المراكز الثقافية. ووضع برمجة تلائم مختلف برامج الدعم والشراكة التي تسطرها الوزارة، وتضم كل الفنون والتظاهرات.

وعن الدعم، فإنه صار من الواضح أنه يجب أن يأخد شكلا آخر يشجع الإحترافية ولا يساهم، كما هو الحال الآن، في تفريخ الجمعيات حاملة المشاريع. وهنا يجب تشجيع المقاولة الفنية وإرساء قواعد قانونية لذلك، دون أن يكون هذا في صالح “الباطرونا” على حساب الفنان. ولنعود للخبر المفرح حقا، إذا تم تفعيله بالشكل اللائق به، و المتعلق باطلاق 150 قاعة سينمائية، والذي ننتظره بفارغ الصبر، فلابد أن نقول أ ن وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وإن كان وزيرها حصل على جائزة على المستوى العربي بكونه وزيرا يجيد التواصل، فإنها لا تتواصل بما فيه الكفاية حول مشاريع هامة تطلقها. وتكتفي بقصاصات محتشمة على الأنترنيت. وهو الأمر الذي يمكن مؤاخدته على الحكومة برمتها، حين تجيد الصنع لا تجيد “التسويق” لمنجزها.

على أي، لازالت انتظاراتنا كبيرة من الوزير الشاب على قطاعات الشباب والثقافة والتواصل، في إرساء صناعات ثقافية وإبداعية متينة وبأسس مستدامة. ونتمنى له أن تسعفه هذه “الهنيهة السياسية”، التي يقضيها على رأس هذه القطاعات، ليتمكن من ذلك.

*كاتب و مسرحي