زلزال الحوز و ارتداداته (عبد الدين حمروش)

يوما بعد يوم، من وقوع الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز، تتكشف مظاهر الكارثة التي أصابت العباد والبلاد. الضحايا في ازدياد، إضافة إلى الجرحى في حالة خطيرة، ما قد ينذر بارتفاع فاتورة الدم، لا قدر الله ابدا. اما الدمار المخلف، على مستوى الأملاك الخاصة والعامة، فيبدو ان اثاره ستكون ثقيلة على سكان المناطق المتضررة، وبخاصة من الذين فقدوا بيوت سكناهم، ومحلاتهم التجارية.

ونحن نعيش حالة الحداد، لمدة ثلاثة ايام، حري بالمواطنين الاستجابة إلى الدعوة، التي تطالب بفورية استئناف الأنشطة في المناطق المعنية، حتى لا يتعطل معيش الساكنة، وكذا شؤونهم العامة أكثر.

لقد كان الزلزال قويا، في درجته ومداه، إلى حد بلوغ ارتداداته مناطق بعيدة عن مركزه، في تراب جماعة “ايغيل”. ليس بالأمر الهين التعاطي مع حجم هذه الكارثة غير المسبوق، سواء بالنسبة للسلطات المركزية أم بالنسبة للسلطات الإقليمية. ومع ذلك، من الواجب الإشارة إلى تأخر تفاعل الحكومة مع الزلزال، على الأقل في جانب التواصل الذي ظل شبه منعدم”، بحكم تركه الباب مفتوحا للإشاعة، ليزيد ذلك من هول الكارثة ثقلا على المواطنين. وفي انتظار تنفيذ ما خرجت به جلسة العمل الملكية، مع وزراء في الحكومة وبعض المسؤولين، ينبغي تكثيف البحث عن الناجين، عبر الاستجابة الفورية لفرق الإنقاذ الدولية. ذلك أننا، ونحن في اليوم الثالث، وبعد التعاطف الدولي الواسع مع المغرب، في إثر محنته هاته، لم نلحظ، بعد، إقبالا كثيفا من فرق الإنقاذ الأجنببة على المناطق المتضررة.

لم يقدر للمغرب ان يشهد مثيلا لهذا الزلزال، منذ مائة عام. ومع ذلك، فإن مشيئة الله جرت بأن نتجنب كارثة وقوعه في المدن الكبرى، ذات الكثافة العالية من السكان، والمزدحمة بالبنايات ذات الطوابق. اننا نسجل هذه الملاحظة، ونحن ندرك ان المواطنين المغاربة، الذين يعيشون في القرية أو يعيشون في المدينة، هم سواسية في ارواحهم واملاكهم.. لولا ان الفاتورة كانت لتبدو أفدح في المدن المكتظة، من حيث فقدان الأرواح، وضياع الممتلكات، وتضرر البنيات التحتية، لو حصلت الكارثة فيها.

لقد بات العالم يعرف ظواهر طبيعة ومناخية خطيرة، من قبيل موجات الجفاف، ونوبات الاعاصير، وتواترات البراكين والزلازل. وهي في كل ذلك، صارت لا تستثني قارة دون أخرى، او بلدا دون آخر. وأمام هذه المستجدات الطبيعية، من حسن التوقع والتدبير تطوير آليات للتدخل السريع، الكفيلة بإنقاذ الأرواح، وتخفيف الأضرار اللاحقة بهم. وإلى حين التفكير في تأسيس مؤسسة وطنية كبرى، غير مسبوقة في البلاد من قبل، للوقاية والتخفيف من تداعيات الكوارث الطبيعية، مخصوصة بالميزانيات اللازمة، والاليات المتطورة، والفرق الاغاثية المدربة، نريد ان نقف عند بعض الظواهر السلبية بالشجب والاستنكار، من قبيل:

– اتساع نطاق نشر الإشاعة بين المواطنين، وبالتالي تهويلهم بالأخبار الكاذبة، وبخاصة من قبل بعض الفاعلين على مستوى وسائل التواصل الاجتماعية. ففي الوقت الذي اصبح فيه سكان المناطق المتضررة يكابدون تبعات الزلزال، كنا نتابع “لايفات” اولئك الفاعلين وشرائطهم المغرضة، بحيث لم يكن لهم هم سوى الربح “على ظهر المتضررين من الكارثة”، بحسب التعبير الدارج. كما ان هناك مشاهد مأساوية، يستلزم الاحتياط من نشرها، دون التفكير في آثار ذلك.

– اعتماد أسلوب النكاية السياسية، عبر المزايدة الضيقة على حكومة اخنوش. الزلزال كارثة طبيعية، وقد تحصل في عهد أية حكومة، بما فيها حكومة الإسلاميين أنفسهم. اليوم، المغاربة في حالة فاجعة، ومطلوب منهم التضامن مع بعضهم البعض، وليس التشفي في اخنوش وحكومته. الحساب يستخلص في ما بعد، أي في ضوء تعاطي الوزراء مع تبعات الزلزال على المواطنين، بالسرعة والفاعلية اللازمتين،

– استثمار البعد الديني، والتطرف فيه، إلى حد الزعم بأن ما حصل هو عقاب من الله. وغير بعيد عن هذا الاستثمار، وكمثال عنه، يمكن الإشارة إلى تشجيع أحد العلماء الناس على التقاعس عن رد الفعل إزاء الكارثة، على أساس أنها قدر ينبغي الاستسلام لمشيئة الله فيه. ما نشره الأمين العام لعلماء المسلمين، محيي الدين القرة داغي، عن ثبات أحد الائمة، لحظة حدوث الزلزال، فيه تهديد لأرواح الناس المصلين. مثل هذه التويتات والتدوينات، ليس فيها من الحكمة الدينية في شيء، اللهم الا ما قد يؤدي إليه من هدر للأرواح. للأسف، الشيخ نسي درس ان المؤمنين مؤتمنون على أنفسهم، وأنفس غيرهم، بالحفظ والرعاية..لا العبث بها تهاونا واستسلاما.

رحم الله ضحايا زلزال الحوز، وعجل بشفاء الجرحى.