باسم الملك… (بقلم: د. عبد الدين حمروش)

إحراق القرآن الكريم، من قبل أحد السويديين من أصول عراقية، عمل مجاني، لا هدف له الا الزيادة في إثارة الفتنة بين الشعوب، والمؤمنين في العالم كله. وبحكم الخلفية السريانية لبطل المحرقة، في عراق مازال مواطنوه يكابدون فظائع الأعمال الإرهابية لداعش والقاعدة، فإن التداعيات على السلم الاجتماعي (وبخاصة النفسية التي لم تندمل جروحها بعد سنوات من الإرهاب الأعمى)، ستكون لها آثار وخيمة -لا قدر الله- على البلد، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ما الفرق في حجم الجرم، بين المتطرف الإسلامي الداعشي والعراقي- السويدي السرياني سلوان موميكا، بطل محرقة القرآن الاخيرة؟

في سياق هذه الجريمة الشنعاء، تداعى المغرب، على أعلى مستوى فيه، إلى إدانة الواقعة، عبر استدعاء القائم بالأعمال السويدي إلى مقر وزارة الخارجية بالرباط. ومن المؤكد ان رد السلطات المغربية، هذه المرة، كان أقوى، ما جعله يحظى بتنويه شيخ الأزهر أحمد الطيبي. وفي الداخل المغربي، ايضا، لقي الرد ذاته ترحيبا واسعا، بفعل حجم الإساءة آلتي تعرض إليها أكثر من مليار مسلم. الإدانة والاستنكار، بقدر ما يطولان الشخص سلوان، فهما يطولان، وبقدر أكبر، دولة السويد، بحكم سماحها بمثل هذه الأفعال المشينة والمستفزة.

غير ان الخروج عن إطار إحراق القرآن، من لدن البعض، يضعف الموقف أكثر مما يقويه. وهنا، يمكن الإشارة إلى “انزلاقة” الأستاذ إدريس الكنبوري، وهو يشيد برد الفعل الرسمي الايجابي، إلى الحديث عن الرسائل الملكية المفترضة إلى الداخل المغربي. ما علاقة ما حدث بالخارج مع ما يفترض انه يحدث بالداخل من نقاش وتدافع؟

ما جرى في السويد مستنكر ومدان على جميع المستويات، في حين ان ما يجري بالمغرب من نقاش اجتماعي- ثقافي حول قضايا معينة، من قبيل “الحريات الفردية” أو “المساواة في الإرث”، الخ، فهو يندرج في إطار وسياق مختلفين. ولذلك، فإن استدعاء الملك، بصفته أميرا للمؤمنين، في موضوع “الرسائل الداخلية”، هو من صنيع “إسقاط الطائرات” كما نقول بعربيتنا الدارجة. وللتذكير بتصريح الكنبوري، يمكن الاكتفاء بقراءة هذا المقطع (مع بعض التصرف) “هي خطوة شجاعة من بلد يحكمه ملك هو أمير المؤمنين (…)، وهي رسالة ايضا في الداخل مفادها ان إمارة المؤمنين لديها مسؤولية تجاه الدين ولا تقبل العبث به”.

الرأي عندي، ان ينفسح مجال التعبير وحريته لعموم الناس، في كل القضايا التي تهم شأنهم العام. والمغاربة، في آخر المطاف، قادرون على تدبير اختلافاتهم، في ظل وجود عدة مؤسسات، بما فيها إمارة المؤمنين. ان إقحام شخص الملك، في كل صغيرة وكبيرة، قد يكون لها معنى احتكار ارادته، لصالح فئة على حساب فئة أخرى. لقد كثر الحديث باسم الملك، تلميحا او تصريحا، من قبل السياسيين. كل ذي تطلع إلى زعامة ما، أو منصب معين، صار يتحدث عن حصوله لتزكية ما من قبل “جهات عليا”. وما اخشاه، هو ان تنتقل عدوى الحديث “باسم الملك” إلى المثقفين.