المغاربة و شرب أتاي (بقلم: عبد الدين حمروش)

أنا من حزب “أصحاب أتاي” منذ أن ولدت. يعرف ذلك اصدقائي ممن خالطوني في الحياة اليومية، ويتندرون علي كثيراً بايثاري شرب الشاي. الشاي أصيل في ثقافتي، بينما القهوة طارئة. وقبل ان يصبح مشروبا خالصا، كان جزءاً من غذاء معظم المغاربة -نحن ابناء الطبقات الفقيرة- اضافة الى الخبز والزيت (ان وجد الأخير). وقبل ان ينتهي “بروليتاريا”، كان الشاي لا يؤثث الا “صواني” الملوك والامراء والموسرين، ابتداء من نهاية القرن السابع عشر. غير ان البداية الحقيقية لانتشار تعاطي شرب الأتاي، في المغرب، كانت في مطلع القرن العشرين.

في خضم كل ذلك، سيصير الأتاي مشروب المغاربة الشعبي (او الوطني لا فرق). واحاطته بما يليق به، بعد ان وجد لديهم قبولا، ورفعت كل المحاذير الفقهية عنه، ستشتغل المخيلة الشعبية لابتداع طقوس خاصة لإعداد الاتاي، في إطار ما يقتضيه ذلك من تنكهة ببعض النباتات العطرية المتنوعة، وما يستلزمه شربه من اوان، كالصينية والاكؤس و”ربيعة” السكر، إلخ. وإن كان الإنجليز هم الذين ادخلوا حبوب الشاي إلى المغرب، عبر سفرائهم وقناصلهم المخالطين للسلاطين وعلية القوم، فإن المغاربة سرعان ما سيتفوقون على غيرهم، بتتويج الأتاي على رأس مشروباتهم.

حسب ما أذكر عن الناصري، في كتاب “الاستقصا”، كان السلطان العلوي، عبد الرحمن بن هشام، لا يجيز لابنه شرب الشاي، الا مرة واحدة خلال الأسبوع الواحد. لقد نظر إلى الاتاي، في البداية، نظرة ريبة، على أساس انه مفسدة للمزاج التقي الورع. وجهة نظر الفقهاء هاته، ومنذ الظهور الأول للشاي، كانت تجنح إلى التحريم في الأغلب الاعم. وضمنها، بالطبع، جاء كتاب الفقيه الشنقيطي تحت عنوان: ذكر الآي في تحريم الأتاي (ان لم تخني الذاكرة).

غير ان انتشار شرب الشاي، لدى المغاربة، كان عاملا مانعا لهم، عن الإفراط في شرب الخمر، حسب إحدى الروايات. بدل “الجنوح” بالمزاج، الأتاي يسويه ويعدله (هكذا!!). وان صحت هذه الرواية، حتى ولو افتراضا، فهل سلطة الشاي مازالت قائمة، مع كل هذه البيانات التي تشير إلى افراط المغاربة في شرب الخمور والكحول؟

بعد ان كان مكونا غذائيا لدى العوام، اضحى الأتاي يشرب لذاته، لدى فئات واسعة من الناس، في المقاهي والمطاعم والحفلات (رفقة تناول الحلويات أحيانا). غير ان ما يؤسفُ له في العقود الأخيرة، هو استمرار فقدان طقوس إعداد الشاي وشربه. تكاد ثقافة بكاملها تضيع اليوم، باستثناء ما ظل صامدا في صحرائنا بالجنوب.

خير ما يمكن اختتام به هذه “التذكرة” بالشاي، قطعة لشاعر مغربي شاب، لم أطلع على شعره الا مصادفة اليوم. والجميل في ذلك، ان قطعة الشاعر، عبد اللطيف خوسي، تتناول الأتاي موضوعا لها..
إليكم القطعة:

وللشاي (حاءات) فشايك دونها// كحب على ماء شفيف وأصفر
ألا صب لي شايا على القدر (حاميا)// و(حلوا) ولا تبخل بقطعات سكر
وفي رشفه أخفى خفيف (حرافة)// كمر بمعسول من الشهد مضمر
وشعرته أفضت (بحمرة) سرها // ورغوته ثلث بأفخم منظر
فإن لم يكن أفضى فلا تلفت له// فإنك إن تفعل كفاعل منكر