كان بإمكان السيد الوزير، عبد اللطيف وهبي، ان يكتفي بالرد الهادئ، حين اشتم في سؤال سائله ما اشتم، بشأن الشكوك حول مباراة الولوج إلى المحاماة، من خلال الإحالة إلى ان الامر يعود إلى اللجنة المختصة بتنظيم المباريات. وفي حال وجود طعون ما، وتوقيا للشفافية وتكافؤ الفرص، يمكن ان يضيف السيد الوزير بطمأنة الرأي العام، من منطلق كونه القيم الاول على قطاع العدل بالبلاد، وذلك بالدعوة إلى ايفاد لجنة للتحقيق في مختلف الشبهات المعروضة. هذا هو الرد الطبيعي المفترض من مسؤول، حين يكون في موقف مثل هذا، حتى وان كان الجميع يعلم مصير لجان التحقيق، التي نادرا ما تصدر تقارير، وان صدرت فهي لا تحمل اي معنى، من حيث فاعلية الحساب.
لماذا أجاب وهبي بما أجاب به؟هل كان يحس انه متهم، حين بادره السائل بسؤاله؟ وهل لم يكن أمامه الا ذلك الجواب، وبتلك الطريقة “المتنفجة”، التي تم التعبير بها عنه؟ ليست هذه هي المرة الأولى التي يخطىء فيها الوزير التعبير، والتي باتت تثير احتجاج الرأي العام وحنقه. الكل مازال يذكر ما جره على نفسه في سياق سابق، حتى استحق، لدى كثير من الناس، لقب “وزير التقاشر”.
لقد أخطأ وهبي بأكثر من اعتبار:
– اولا، باعتباره محاميا، من طبيعته انه يعرف، بحكم المرافعة عن قضايا الناس في المحاكم، كيف ينزل الكلام منازله ومواضعه؛
– باعتباره وزيرا، كان عليه ان يضمن تحقيق شرط النزاهة وتكافؤ الفرص، في قطاع أولى ان يتحرى فيه العدل والمساواة، وإلا كان فتح التحقيق في الطعون والشبهات اخرى و اولى؛
– باعتباره مسؤولا حزبيا، يفترض فيه، اخلاقيا، عدم السقوط في “التبجح” بامتلاك الثروة والمال، في سياق لم يكن من المناسب استدعاؤهما، بالطريقة الفجة التي حصل بها ذلك. المسؤول الحزبي، بدرجة امين عام، من شأنه توسيع دائرته الانتخابية، لا تقليصها باستفزاز الناخبين.
لقد كانت القائمة بأسماء الناجحين في المباراة جد مثيرة، بحكم أسماء العائلات واسماء المسؤولين، التي تكررت فيها إلى حد العجب. وقد كان من الطبيعي، ايضا، ان تثير تلك القائمة الغضب والاحتجاج، وبخاصة من قبل “الراسبين” (او المرسبين) وعائلاتهم. من شان القضية ان لا تخرج إلى ما خرجت اليه، لولا استفزازات السيد وهبي للرأي العام في تصريحه العجيب والغريب. انه تصريح اقل ما يقال عنه انه “طفولي”، جعلنا نضعه موضع ذلك الطفل المعتد بوالده امام اقرانه.. ولكن، للأسف، فالطفل، هنا، بالغ، وبدرجة وزير.
لقد كانت خيبة هائلة طالت معظم شرائح المجتمع. والمفارقة ان هذه الخيبة حصلت، مباشرة، بعد الإنجاز التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني لكرة القدم في قطر، والذي أفرح به عموم المغاربة. انها خيبة ذكرت الجميع بان الانتصار استثناء، والخيبة قاعدة في هذه البلاد.
هذه هي الرسالة المباشرة، التي يمكن قراءتها، من تصريح السيد وهبي. وإذا كان من رفض لهذه الرسالة، من قبل القيمين على الشان العام ببلادنا، فينبغي ان يتجسد في التسريع باقالة المسؤول عن قطاع العدل، الذي تكررت هفواته وسقطاته. لا ينبغي للمغرب، الذي نقتنع بحتمية تقدمه واقلاعه، ان يسير بوتيرتين: واحدة إلى الأمام والثانية إلى الوراء. كما لا ينبغي ان يسير هذا المغرب من قبل مسؤولين: أحدهما يرفع شأنه امام دول العام، والآخر يزل به إلى الحضيض، وعلى مرأى الرأي الوطني والدولي، بجميع لغاته وشاشاته.