قال الاستاذ سليمان أدخول رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية تطوان و رئيس لجنة الشؤون العلمية والقانونية للهيئة الوطنية للعدول و عضو لجنة الحوار المكلفة بتعديل القانون المنظم لخطة العدالة : مما لا شك فيه أن أصداء الحديث عن تحديث مهنة التوثيق العدلي وصلت إلى الخاص والعام ، وذلك من خلال قنوات ووسائط متعددة ، منها ما ارتبط أساسا بالإصدارات والمؤلفات المتخصصة من توقيع عدول باحثين همهم الوحيد ، الرفع من الشأن المهني والارتقاء بمكانة المهنة إلى مصاف المهن القانونية المتطورة ، والمساهمة في تغيير الصورة النمطية التي لازمت المهنة والمهنيين العدول منذ وقت ليس باليسير وإلى اليوم، أو ما تعلق منها بالمقالات المنشورة بالجرائد الوطنية والمجلات العلمية ، ناهيك عن النقاشات المحتدمة في المواقع الإلكترونية المختلفة.
وهكذا فمنذ خروج القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة ، ومرسومه التطبيقي ، المخيب للآمال ، والمغيب للآليات العصرية للاشتغال ، إلى حيز الوجود ، إلا وبدأت القراءات النقدية للقانون المذكور تتقاطر حيث أجمعت كلها على كون القواعد القانونية المدونة فيه لا تساير تطورات العصر ولا تتماشى مع متطلبات التوثيق الحديث ولا تسهم في تحقيق الأمن المرتبط بالمنظومة التعاقدية.
وعليه فقد كان من نتائج القراءات النقدية للقانون السالف الذكر أن برزت مجموعة من المقترحات تصب كلها في اتجاه تحديث وتطوير خطة العدالة وتمكين العدول من آليات عصرية للإشتغال لتحقيق الأهداف والمقاصد الكبرى المرتبطة بالتوثيق بصورة عامة.
ولعل أبرز المقترحات في هذا الشأن نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي
-1- تحرير الوثيقة العدلية من خطاب القاضي المكلف بالتوثيق .
-2- تخليص الوثيقة العدلية من النساخة اليدوية .
-3- تعزيز الضمانات الحمائية للعدول .
-4- تمكين العدول من آلية حساب الودائع بقصد ضمان الأمن التوثيقي للمتعاملين في مجال العقار مع الوثيقة العدلية … إلخ.
ونشير إلى أنه بعد تشكل الوعي العدلي بشأن مفاتيح التحديث المهني ، استجد حدث الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة كتوجه رسمي نحو إصلاح القضاء والمهن القانونية والقضائية المرتبطة به، حيث تعد خطة العدالة واحدة من المهن المعنية بالإصلاح ، والتي خصتها الهيئة العليا للحوار الذي سبقت الإشارة إليه بتوصية يتيمة تحمل رقم 169 ، حيث جاءت محتوياتها على الشكل التالي ” الإرتقاء بخطة العدالة ، بما يسهم في تحديثها ، وفتح المجال أمام المرأة لممارستها ، ولاسيما بتبني نظام الكاتب بالعدل “.
وإذا كانت مسألة ولوج المرأة لخطة العدالة قد تم حسمها بشكل فعلي ، فإن الرهان الحقيقي المتعلق بتحديث المهنة ، ظل ردحا من الزمن يلفه الكثير من الغموض، وساده ذات المقدار من اللبس والضبابية سيما مع تضارب القراءات المتعلقة بالتحديث المهني ، الذي كان سائدا بين القطاع الوصي وقطاع العدول بالمغرب.
ونحن نعتقد بأن السبب الرئيس الذي ساهم طيلة الحوارات السابقة، في تعثر التحديث في مجال مهنة التوثيق العدلي مرده بالدرجة الأولى إلى غياب الإرادة الحقيقية لدى القطاع الوصي في إصلاح وعصرنة هذه
المهنة ، وهو ما يفسر حجم الزمن الضائع الذي تم استهلاكه بشأن إعداد قانون يستجيب لطموحات وتطلعات عدول المغرب.
وينبغي التأكيد على أن التحديث المهني وتحقيق المكتسبات خلال المراحل السابقة من الحوارات ، كان بعيدا عن الواقع ، وأن الهوة بينه وبين التكريس العملي ، كانت تتسع يوما عن يوم ، وهذا لا يحتاج إلى تدليل بقدرما يحتاج إلى إعادة قراءة الماضي وربطه بالحاضر.
إن تحديث مهنة التوثيق العدلي يقتضي النفاذ إلى تبني إصلاح حقيقي مرتكزه إقرار مجموعة متكاملة من القواعد القانونية المرتبطة بعصرنة المهنة في إطار من الإستقلالية وقطع الصلة مع أساليب التقليد على مستوى الرقابة القضائية والنساخة اليدوية والثنائية في تلقي العقود والشهادات، وهو ما تم النفاذ إليه خلال الحوار الذي دشتنه لجنة الحوار الحالية من خلال انتزاع العديد من المكتسبات المهمة التي من شأنها الإرتقاء بالمهنة وتوفير آليات عصرية للإشتغال وتوسيع دائرته وتكريس الضمانات الحمائية للعدول وغيرها من المكتسبات الجوهرية التي لا يسمح المجال لذكرها هنا.
وعلى صعيد آخر، فإنه من المؤكد أن تحقيق التحديث المهني يقتضي تحديث الحديث من طرف المهنيين عن طريق تغيير الأسلوب في التعامل مع قضاياهم المصيرية والتشبع بثقافة الإحتجاج ، والدفاع عن كرامتهم المهنية بشتى الوسائل المتاحة وفق ما يكرسه الدستور المغربي الحديث ( دستور 2011 ) ، فالحقوق تنتزع ولا تعطى كقاعدة عامة سائدة في سائر المجتمعات المتقدمة و السائرة في طريق النمو كذلك.