بقلم د. محمد فاوزي
تختلف طرق السلام بين الشعوب: في بلاد التبت ينجز بإخراج اللسان، وفي نيوزيلندا وبعض بلاد الخليج بتماس ارنبة الانفين ،وفي روسيا الشيوعية كان الرجل يقبل الرجل في الفم ،وبعض فيديوهات خروتشوف وبريجنيف تحتفظ بذلك ،وفي سائر البلاد العربية بالاحضان وتقبيل الخدين المتبادل، إلا أن لا يكون ذلك بين رجل وامرأة فهو محظور في التقليد .
وفي التقاليد الاجتماعية عند الغربيين ،قد يتعانق الرجلان ،على مستوى الكتفين في مواقف الفرح العارم ، كفوز في رياضة او في انتخابات أو نجاح صاروخ في الهبوط على سطح المريخ…الخ. ولكنهما لا يتعانقان او يقبل أحدهما الاخر عند السلام البتة. وكلما ابتعدنا صوب بلاد الشمال الباردة ،قل التواصل الجسدي اكثر بل وصار عندهم تقبيل الأطفال موضع قيود. ولسنا ندري هل هذا التضاؤل في لغة الجسد عندهم راجع إلى كونه سلوكا موغلا في البدائية، تقدمت فيه لغة الجسد عند اسلافنا على لغة الكلام وكلما تقدم الإنسان في التحضر ،ابتعد عما هو بدائي .؟ أم إنه تضاؤل ولّده تضخم الفردانية عند الإنسان الغربي.
Quand #Macron rencontre le président algérien #tebboune en marge de la #cop27, ça donne ça.
Un peu too much ou c’est une idée ?! 🤔 pic.twitter.com/QXOkynx5y6— Fred Marseille (@fred2marseille) November 8, 2022
والظاهر أن ماكرون شاهد وربما سخر مما قد يراه رومانسيات التقبيل والاحتضان وحرارة المشاعر عند العرب ،ومن المستحيل كذلك الا يكون بتقبيله خد نظيره الجزائري مع احتضانه، قد نسي تقاليد السلام في بلاده ؛ ووراءه إعلام فرنسي مهووس بالسخرية والنقد اللاذع، وتدقيق الملاحظة في قراءة الصور والفيديوهات لالتقاط هفوات السياسيين وتصيد أخطاء المشاهير. ولا غرو ! فحتى نحن صرنا نتدر من بعض ؛ فقد عوتب على الراحل ياسر عرفات انه ” كثير التبواس” ؛ ويغالي في احتضان اشقائه. وجلب ابن كيران الذي لقي نظيره الاسباني على الطريقة العربية ،على نفسه كثيرا من السخرية لاقتصار معرفته على طرق إفشاء السلام وتأدية التحية على ما قرأه في الكتب .
لقد ضحى ماكرون بتقاليده ،لا عن جهل، ولكن القبلة كانت سياسية ،ولنقل إنها اقتصادية marketing. والزبون ملك، وأهل السخاء ممن سيضخون الملايير على خزينة فرنسا ،يستحقون أبعد من القبلة والحضن إن اقتضى الامر ذلك ” et pourquoi pas ??!!”.
لكن الطريف ؛ هو أن الذي يصعر خده لبني جلدته ، لم يعارض أن يقبله من يمثل له رمزا موصولا من الاستعمار البغيض والعداء التاريخي .فبرز الخد للتقبيل بينما اختفى “النيف” ،هذا النيف الذي يعتقد تبون وعشيرته ،أنه لا يوجد إلا عندهم ،وأن سائر البشر على وجه الأرض أجدع.