تشهد الجزائر، بسبب الازمة الروسية-الاوكرانية، انتعاشة مالية، من جراء الطلب المرتفع على مصادر الطاقة، ومنها الغاز بوجه خاص. وبموازاة مع هذه الانتعاشة، يلاحظ المتابع السياسي سعي حكام المرادية الى الترويج لديبلوماسيتهم، في الفضاء الاورومتوسطي، بشكل خاص، باستغلال الطلب العالمي على الغاز.
كانت للغاز الجزائري ديبلوماسيته منذ عقود، غير أنها نشطت، بشكل مكثف، في الآونة الأخيرة. زيارة ماكرون الى الجزائر، وفي اثره رئيسة وزرائه إليزابيث بورن، إضافة إلى المفوضة الاوروبية للطاقة كادري سيمسون، بعض من مظاهر الحركية الدبلوماسية الجزائرية الأخيرة. وفي قراءة أولى لكيفية تعاطي العسكر مع الحاجة العالمية للغاز، وفي ظل الخوف من زحف شتاء بارد على اوروبا، يمكن استخلاص عدة خلاصات:
– الطابع الظرفي للديبلوماسية الجزائرية، بحكم ارتكازها على سلاح واحد، وهو الغاز، بما يجعل “ورقته” عرضة للاحتراق، فور انتهاء الأزمة الروسية-الاوكرانية،
– تسييس تجارة الغاز، بالنظر إلى الحرص المبالغ فيه على جعل هذا المصدر سلاحا للابتزاز، استدرارا للمواقف الأوروبية لصالح سياسة العسكر المعادية لجاره الغربي. ولذلك، فإن أسوأ ما يمكن ان ينعث به نظام ما، هو تصنيفه ضمن الشركاء غير الموثوق بهم. الانقلاب على الشراكة مع إسبانيا، والتحول باتجاه إيطاليا، في موضوع تجارة الغاز، يوضح طبيعة تعاطي العسكر مع شركائه،
– بدل بيع الغاز، بما يناسبه من اثمنة في سوق الطاقة الدولية، يتم التجارة به، على قدر المواقف السياسية المعبر عنها، في ما يخص الوحدة الترابية للمغرب. وبطبيعة الحال، تكون النتيجة، من تسييس تجارة الغاز، ضياع حقوق الشعب الجزائري، في تنمية مستدامة وعيش رغيد، على شاكلة ما تشهده دول الخليج من نهضة، في مختلف المجالات. ما الذي ينقص الجزائر لتصير “إمارات”المغرب العربي مثلا؟
– الهوس بالجار الغربي، اي المغرب، في إطار المعاكسة المرضية لوحدته الترابية. فعوض ان يكون الغاز مصدرا للثروة الوطنية، وبالتالي عاملاً للتنمية البشرية والتعاون الدولي، يتحول إلى مجرد سلاح لمحاربة الأشقاء، ومادة لابتزاز الاصدقاء.
ان كان هناك من انكشاف للديبلوماسية الجزائرية، على اصعدة دوافعها ورهاناتها، فلن يكون أكثر مما هو حاصل اليوم. ان ادعاء الاصطفاف مع مبدأ تقرير المصير، واستعماله في هذه القضية دون تلك، سرعان ما يكشف عن خلل استراتيجي في سياسة العسكر على مختلف المستويات: إهدار الثروة الوطنية على قضايا خاسرة خارج الحدود الترابية للبلد، تقليص دور للديبلوماسية واهميتها، بتوجيهها إلى التدخل في شؤون الجيران، الامر الذي يجعل الجزائر تصنف ضمن الدول المارقة (ايران، كوريا الشمالية، الخ)، غير الموثوق بها في التعاملات التجارية.
اما بالنسبة للمغرب، فهو في اقاليمه الجنوبية مقيم. وما يصرفه من اموال، وما يضحي به من أرواح، وما يبذله من جهد ديبلوماسي، يستحقه دفاعه عن وحدة ترابه، وعزته وكرامته.