النظام الجزائري وتجاوز الحدود (بقلم عبد الدين حمروش)

اتخذ النظام الجزائري، في اليومين الأخيرين، قرارا بإنهاء “معاهدة الصداقة وحسن الجوار” مع المملكة الإسبانية. عنوان المعاهدة، التي تم قطعها، يوضح أي مدى بَلغته العلاقة الجزائرية الإسبانية. أعتقد أنه لم يتبقّ إلا أن يعلن النظام الجزائري الحرب على إسبانيا، في رد فعل على قرار سيادي تَبَنّتْه الأخيرة، حين قررت التقارب مع الحق المغربي في صحرائه. يمكن تفهُّم غضب “النظام” الشرقي العارم، وبالتالي استدعاء السفير من مدريد للتشاور، باستثناء أن يتمّ اللجوء إلى إلغاء المعاهدة المذكورة آنفا.

إن “حق الشعوب في تقرير مصيرها”، الذي ظل يرفعه النظام الجزائري في المحافل الدولية، لا يعدو كونه شعارا في مبتدئه وخبره. الإعلان عن المبادئ والمواقف، في مستواها الديبلوماسي الصرف، لا يمكن أن يشتطّ في الوصول إلى إلغاء معاهدات، مثل معاهدة الصداقة والجوار مع دولة أخرى (غير مشاركة مشاركة مباشرة في الصراع منذ انسحابها). الجزائر لم تُمسّ في قطعة من أرضها أو سيادتها، حتى تلجأ إلى مثل هذه القرارات الحاسمة، التي تحتاج إلى سنوات لأجل تجاوز تداعياتها السلبية الضارة (صورة الجزائر لدى دول المعمورة على الأقلّ). في نظري المتواضع، لم يكشف النظام الجزائري عن وجهه الحقيقي، عبر نزع قناع من أقنعته البالية، مثلما يقوم به اليوم. والحق أن الديبلوماسية المغربية حين كانت تذهب، ومنذ عقود، إلى أن النظام بالجزائر طرف أصيل، في الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية، كنا نعتبر ذلك محاولة لوضع الجار الشرقي “عند الزاوية”.

يبدو أن “الخدمة” الكبيرة، التي ما فتئ يقدمها نظام العسكر إلى المغرب، من جراء انتهاج مثل هذه الردود الديبلوماسية الانفعالية، هي إظهار الجزائر بصفة الطرف الأول الطامع في الصحراء المغربية، وتورية/ جعل جبهة البوليساريو “في الخلف”، وتحويلها إلى مجرد سلاح بأيدي العسكر، لمعاكسة المغرب ومصالحه. واليوم، تفسر لنا ردود الفعل الانفعالية والعشوائية، التي تجاوزت كل حدود المنطق والعقل والمصلحة، إلى أي حد يمكن أن يصل أذى الجار لجيرانه. إن ردة الفعل المبالغ فيها اتّجاه “معاهدة الصداقة وحسن الجوار”، وفي إثرها الارتماء في أحضان إيطاليا، بتحويلها إلى قاعدة لتصريف الغاز في أوروبا، نكاية في إسبانيا وفي مصالحها، تبين للمتابع أمرين اثنيْن على الأقل:
مركزية مُعاكسة المصالح المغربية في التحركات الديبلوماسية الجزائرية؛
أستخدام مُقدَّرات الشعب الجزائري (من غاز ونفط…) في أتون هذه التحركات، لشراء هذا الطرف أو ذاك.

إن الخوف كل الخوف من أن تندلع حرب بين الجارين “القريبيْن”، في ظل هذه المشاحنة الديبلوماسية والإعلامية المتصاعدة (لا قدّر الله).

على الرغم من بذل الجزائريين تضحيات هائلة، من أجل نيل استقلالهم الوطني، إلا أن النظام الجزائري كان المستفيد الأول من المُعمِّر الفرنسي. لنقلها بصراحة: ففي إبان الجلاء عن “أرض الشهداء”، الذي لم يكن يدور بخيال الإدارة الفرنسية، قامت الأخيرة بتسليم أراضيَ شاسعة من المغرب وتونس إلى النظام العسكري الوليد آنئذ. وإذ كنا نتفاءل بحصول التفاهم بين الإخوة المغاربيين، بعد جلاء الاستعمار، وانتهاء زمن الحرب الباردة، وانقضاء صلاحية العديد من الشعارات الأممية، صرنا إلى ما لم يكن يخطر بالبال، أي: أن تتسع شقة الخلاف إلى درجة تبدو معها الحرب أقرب إلى حبل الوريد من أي وقت مضى. الجاران يصرفان أموالا طائلة، وفي ظروف صعبة اقتصاديا بالنسبة للطرفين. وغير هذا، فالشقيقان يهدران فرصا كبيرة للتعاون، فيما يستفيد منها الآخرون ضدا على مصالحهما معاً.