
بقلم: زكية لعروسي

كل عام في رمضان، تتكرر المشاهد الصادمة داخل بعض المساجد، حيث تتحول مصليات النساء إلى أماكن تعجّ بالضوضاء، وكأنها مقاه مصغّرة أو رياض للأطفال، بدلا من أن تكون ساحات للعبادة والخشوع. هذا المشهد يطرح تساؤلات جادة: هل ما زالت بعض النساء يعين قدسية المسجد؟ أم أن صلاة التراويح تحوّلت إلى مناسبة اجتماعية، تفتقد فيها الصلاة روحها ومعناها؟
لقد جاءت شريعة الإسلام بالحفاظ على روح الصلاة وسكينتها، وجعلت الأصل في صلاة المرأة أن تكون في بيتها، رحمة بها، وحرصا على تحقيق الخشوع الكامل. ففي الحديث الصحيح قال النبي (ص): “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن” (رواه أبو داود وصححه الألباني). ومع ذلك، نرى اليوم بعض النساء يتهافتن على المساجد وكأن الأجر لا يتحقق إلا في الجموع، بينما الحقيقة أن النبي (ص) نفسه أكّد أن صلاة المرأة في بيتها أفضل وأعظم أجرا لها.
لكن المعضلة لا تقتصر على الحضور فقط، بل تتجاوزها إلى سلوكيات دخيلة على المساجد، حيث تتحوّل بعض المصليات إلى ساحات حديث وضحك وتبادل أخبار، حتى لكأنّ بعضهن لم يأتين للصلاة، بل للقاءات الاجتماعية! ناهيك عن الأطفال الذين يسرحون ويمرحون، يصرخون ويبكون، بينما الأمهات غارقات في أحاديثهن، غافلات عن الفوضى التي يسببها أبناؤهن، وعن المصلّيات اللواتي جئن للخشوع، لا لتحمل ضجيج الفوضى.
لقد حذّر النبي (ص) من كل ما يشوّش على الصلاة، حتى أمر الصحابة بخفض أصواتهم بالقراءة كي لا يزعج بعضهم بعضا، فكيف الحال بمشهد يتحوّل فيه المسجد إلى ساحة للفوضى؟! إن كان الشرع قد فضّل صلاة المرأة في بيتها، فذلك لحكمة عظيمة، منها تيسير عبادتها، وإبعادها عن كل ما قد يشغلها عن الخشوع.
لا أحد يعترض على رغبة النساء في أداء الصلاة في جماعة، لكن حينما تتحول المصليات إلى ساحات ضجيج، ويفقد المسجد هيبته، فلابد من وقفة حقيقية. والمسؤولية هنا مشتركة؛ فالأئمة مطالبون بوضع تنظيم صارم، ومنع أي مظهر يخلّ بقدسية المسجد، وتشجيع النساء على الصلاة في بيوتهن إذا لم يكنّ قادرات على توفير بيئة مناسبة للخشوع في المسجد.
على النساء مراجعة أنفسهن: هل هدفهن الصلاة أم مجرد التجمع الاجتماعي؟ وإذا كنّ غير قادرات على الحفاظ على سكينة المسجد، فلم لا يلتزمن بما فضّله الشرع لهن، ويصلين في بيوتهن حيث الأجر أعظم والراحة أكمل؟
لقد آن الأوان لإعادة ضبط المفاهيم، وفهم أن المساجد ليست ساحات للاستعراض أو اللقاءات، بل بيوت الله، التي ينبغي أن تظل عنوانا للسكينة والخشوع. المساجد بيوت الله، وينبغي أن تظل مكانا للسكينة والعبادة، لا للفوضى والتشويش. وعلى كل فرد مسؤولية في الحفاظ على حرمتها، سواء كان إماما، أو مصليا، أو مصليّة. فمتى نستوعب أن الصلاة ليست مناسبة اجتماعية، بل لقاء مع الله؟






