بقلم: زكية لعروسي
في مشهد درامي هزلي متكرر، خرج رئيس “الدولة الضاربة في الضباب” بتغريدة على منصة تويتر، زاعماً تحرير السائح الإسباني جيلبرت نافارو، الذي اُختطف في تمنراست جنوب الجزائر. الرئيس شكر أجهزة الأمن ووزارة الدفاع على ما أسماه “فعالية وسرّية العملية”، لكن الحقيقة، كعادتها، لم تتأخر في الظهور، إذ جاء بيان جبهة تحرير أزواد ليكذّب الرواية الرسمية علنا، واضعا القيادة الجزائرية أمام مرآة الحقائق المحرجة.
أشكر مصالحنا الأمنية و إطارات وزارة الدفاع الوطني على تحلّيهم بالفعالية والسرّية، خلال عملية تحرير المواطن الإسباني جيلبرت نافارو.
— عبدالمجيد تبون – Abdelmadjid Tebboune (@TebbouneAmadjid) January 21, 2025
الدولة التي تطلق على نفسها لقب “العظمى” وجدت نفسها في مأزق جديد يكشف هشاشة بنيانها الأمني والسياسي. وهنا يبرز المثل المغربي الشهير: “خص يكون قد فمك قد دراعك”. فبينما تتبجح القيادة بشعارات جوفاء، تعجز عن مواجهة أبسط الوقائع على الأرض. الرئيس تبون، الذي يجوب عواصم العالم فيما يشبه “إجازة دبلوماسية ممتدة”، يبدو غير مكترث بواقع حدود بلاده، التي أصبحت مرتعا للفوضى والجماعات الإرهابية.
إن بيان جبهة تحرير أزواد لم يكن مجرد تكذيب، بل فضحا لما وصفته بـ”الفوضى العارمة” التي تضرب الجنوب الجزائري. وبينما ترفع القيادة شعارات براقة عن “السيادة الوطنية”، تظهر الحقائق أن السيادة باتت مجرد وهم يتآكل أمام العجز عن ضبط الحدود أو حماية الجوار.
القيادة الجزائرية، التي تتبجح بدورها الإقليمي، تبدو غارقة في أزمات متعددة الأوجه “لو كان لخوخ يداوي، يداوي راسو” . جنوبها أصبح ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية بفضل ما وصفه بيان أزواد بـ”تواطؤ وصمت رسمي”، ودول الجوار، كمالي، لا تتردد في اتهام الجزائر بالتقصير بل وحتى التورط. كل هذا في ظل غياب رؤية واضحة أو استراتيجية للخروج من الأزمات المتفاقمة. كما يقول إخواننا المصريون: “هي غارقة في سبع نومة”، غير مدركة أن الشعارات والبيانات الرنانة لن تحجب شمس الحقيقة.
بيان جبهة تحرير أزواد لم يكن مجرد تكذيب لرواية الجزائر، بل كان جرس إنذار لسياستها التضليلية، ودعوة صريحة لإعادة النظر في أزمات المنطقة وجذورها الحقيقية. فبينما تستمر “الدولة الضاربة في الضباب” في سياسة الهروب إلى الأمام، تتفاقم التهديدات التي لا تعترف بالحدود المصطنعة أو الجعير السياسي. اختطاف المواطن الإسباني، وتناقض الروايات حوله، يكشف الوجه الحقيقي لدولة تعيش على أطلال وهم العظمة.
في نقطة حدود بين أزواد وجنوب الجزائر ؛ صور توثق عملية تسلم وحدة جيش الجزائر للاسباني جيلبرت نافارو ؛ الذي سلمته وحدات الجيش الأزوادي والمنضوية تحت جبهة تحرير أزواد بعد تحريره من خاطفيه .
وفي الصور ايضا خلال نقل المحرر ؛ يظهر الضابط الأزوادي أمبارك اغ اكلي يكنى اممو pic.twitter.com/2dl3EZN9fy— 🌐Ali Ag Mohamed | علي (@ALIUF) January 21, 2025
في نهاية المطاف، الحقيقة واحدة لا تتجزأ: قوة الدولة لا تُقاس بالشعارات الرنانة أو الادعاءات البراقة، بل بالقدرة على مواجهة التحديات بحزم وشفافية. والحاجة إلى مواجهة الذات. لكن للأسف، ما يظهر من “الدولة الضاربة في الضباب” اليوم ليس سوى مثال صارخ على ثقافة التنصّل والهروب. وقت الحساب قادم، وحينها لن ينفع التضليل ولا الضباب.