بقلم: زكية لعروسي
الجزائر، التي طالما اتبعت سياسات خارجية تعتمد على الشعارات والتوجهات الإيديولوجية البالية، تبدو اليوم محاصرة في عزلة دولية صنعتها بنفسها. في خطوة جديدة تعكس هذا التوجه، نشرت وزارة العدل الجزائرية بلاغا رسميا حول لقاء بين وزير العدل الجزائري ورئيس ما يُسمى بـ”المجلس الدستوري للجمهورية الصحراوية الديمقراطية”، وهو كيان غير معترف به دوليا إلا من قِبل الجزائر وبعض الحلفاء القليلين.
في البلاغ، تمت الإشارة إلى عمق “العلاقات الأخوية” بين الجزائر و”الجمهورية الصحراوية”، مع تكرار خطاب الدعم المعتاد الذي يُظهر أن الجزائر مستمرة في استغلال هذا الملف لتغطية فشلها الدبلوماسي في تحقيق اختراقات حقيقية على الساحة الدولية. ومع ذلك، ما يثير السخرية في هذا السياق هو تلميح البلاغ، ولو بشكل غير مباشر، إلى أن منطقة تندوف قد تكون تحت سيادة “الجمهورية الصحراوية”، ما يعكس ارتباكا وتناقضا واضحا في السياسة الجزائرية.
هذه الخطوة تأتي في وقت تعاني فيه الجزائر من عزلة سياسية واضحة. بعد فقدانها حلفاء استراتيجيين على الصعيد الإفريقي والدولي، أصبحت الجزائر تُعتبر دولة تبحث عن أوراق ضغط بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك من خلال خلق واقع مواز لا يعترف به المجتمع الدولي. وعلى الصعيد الاقتصادي، فشل النظام في استثمار عائدات الغاز والنفط لتحقيق تنمية حقيقية، ما زاد من الاحتقان الداخلي وأضعف تأثيرها الخارجي.
على النقيض، يواصل المغرب تعزيز سيادته على أقاليمه الجنوبية، مستثمرا في مشاريع تنموية كبرى في مدن مثل العيون والداخلة، ومحققًا اختراقات دبلوماسية كبيرة، كان أبرزها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، وافتتاح قنصليات دولية في الأقاليم الجنوبية. هذا النجاح المغربي يُظهر الفارق الشاسع بين سياسة التباهي الجزائري بالفراغ وبين الدبلوماسية المغربية الفعّالة.
باعتراف وزير العدل الجزائري نفسه، فإن الجزائر تبدو وكأنها تنازلت عن سيادتها على تندوف لصالح “جمهورية وهمية”. هل هو زلة لسان أم استراتيجية جديدة لتبرير فشل سياساتها في المنطقة؟ في كلتا الحالتين، يبدو أن الجزائر تُعيد إنتاج نفس الأخطاء التي جعلتها تفقد مكانتها كقوة إقليمية، حيث أصبحت سياساتها مصدر تندر وسخرية، حتى من داخل دوائرها.
العزلة التي وضعت الجزائر نفسها فيها دوليا، نتيجة سياسات متخبطة تعتمد على المزايدات والشعارات الفارغة، جعلتها تتباهى بالقليل وتخلق أمجادا وهمية. لكن الحقيقة تظل واضحة: المغرب يزداد قوة ودينامية، بينما تستمر الجزائر في الغرق في مستنقع العزلة السياسية والاقتصادية. فهل ستراجع الجزائر سياساتها قبل أن يفوت الأوان؟ أم أنها ستواصل العيش في “جمهورية الأوهام” التي صنعتها بنفسها؟