بقلم: زكية لعروسي
يبرز تساؤل ملح حول ما يحدث مع بعض المؤثرين الجزائريين. فقد شهدنا مؤخرا موجة من الاعتقالات والإجراءات القانونية التي طالت أسماء بارزة على منصات مثل تيك توك وفيسبوك. هل ما يجري انتحار طوعي لهؤلاء المؤثرين من خلال تبنيهم خطاب الكراهية والتحريض، أم أن هناك قوى خفية تدفعهم إلى حافة الهاوية؟
أزمة المؤثرين الجزائريين تفتح أبواب النقاش حول حدود الحرية والمسؤولية الأخلاقية، في ظل تصعيد دبلوماسي بين الجزائر وفرنسا. وسائل تواصل اجتماعي مكنت شهرة واسعة للمؤثرين، لكنها اصبحت “كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله”.
قضية المؤثر الجزائري “Doualemn”، الذي اعتُقل في مونبلييه بتهمة التحريض على الكراهية، ثم طُرد إلى الجزائر ليعود إلى باريس في اليوم نفسه، لم تكن سوى شرارة أشعلت نارًا تحت الرماد . تصريحات المسؤولين الفرنسيين بأن “فرنسا لن تقبل الإهانة” تعكس إحساسًا متزايدًا بأن الطين الديبلوماسي يزيد بلة”.
الأزمة تجاوزت حدود حادثة فردية لتصبح “القشة التي قصمت ظهر البعير”، وسط تهديدات فرنسية بمراجعة منح التأشيرات والمساعدات. فهل نحن أمام مواجهة حقيقية أم مجرد “جعجعة بلا طحين”؟
في خضم هذا التوتر، يطرح سلوك بعض المؤثرين الجزائريين تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء خطابهم العنيف. هل “الغرقى يتعلقون بقشهم”؟ هل هم أدوات في لعبة أكبر؟، أم أنهم مثل “من يرقص على السلم”، لا إلى الأرض استقروا ولا إلى السماء وصلوا؟
من السهل أن نرى في الظاهرة تعبيرا عن إساءة استخدام الحرية الممنوحة على الإنترنت. المؤثرون، بفضل متابعيهم الذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف، يتحولون إلى أصوات مدوية يمكن أن تُستخدم للخير أو الشر. في حالة المؤثرة صوفيا بنلمان، التي تحولت من معارضة شرسة للنظام الجزائري إلى داعمة متطرفة له، يبدو أن التغيير الجذري في خطابها كان مدفوعًا بدوافع سياسية واضحة. هذا التحول يثير شكوكًا حول مدى استقلالية هؤلاء المؤثرين، وهل يتحركون بحرية أم بضغط قوى سياسية؟
ما يثير الحيرة هو الانزلاق المتكرر إلى خطاب الكراهية والتصريحات العنيفة التي قد تصل إلى حد التهديد بالقتل. مثل هذه السلوكيات لا يمكن تفسيرها فقط بالرغبة في إثارة الجدل وجذب الانتباه، بل تشير إلى انفصال خطير عن الواقع الأخلاقي والقانوني. أحد الأمثلة الصارخة هو الفيديوهات التي دعت صراحة إلى ارتكاب أعمال عنف أو إرهاب، وهو ما وضع أصحابها تحت طائلة القانون.
الأمثلة كثيرة، من صوفيا بنلمان المؤثرة إلى آخرين تبنوا خطاب كراهية واضحًا، وكأنهم “كمن يسكب الزيت على النار” لجذب الانتباه.
جزء كبير من هذه الأزمة يعكس أزمة هوية وانتماء لدى بعض المؤثرين الجزائريين. فإن العديد منهم يعيشون في ازدواجية ثقافية، بين الجزائر وطنهم الأم وفرنسا حيث ينشطون. هذا التناقض يُظهرهم كمن “يريد الإمساك بالعصا من المنتصف”، يدافعون عن النظام الجزائري بشراسة، بينما ينتقدون الدولة الفرنسية التي توفر لهم الحماية. هذا السلوك يعكس أزمة انتماء، وهوية “بين حانا ومانا ضاعت لحانا”.
فهل هم “ضحايا منازل لا أبواب لها”، أم أنهم يبحثون عن مكان في عالم متغير بكل الوسائل المتاحة؟
تتحمل منصات التواصل الاجتماعي جزءًا كبيرًا من المسؤولية في هذه الأزمة. فهي تمنح الشهرة بسرعة، لكنها لا تُعلّم أصحابها كيف يحافظون عليها. “اليد التي لا تستطيع كسرها، صافحها”، ربما كان هذا ما تحتاجه المنصات لتجنب الفوضى التي تسببها حسابات مليئة بالتحريض والعنف. خطوة تعليق حسابات بعض المؤثرين تبدو كمن “يضع العربة أمام الحصان”، لأن المشكلة تحتاج إلى حلول أعمق، تبدأ من وعي المؤثرين وتنتهي عند مسؤولية الجمهور.
للخروج من هذه الدوامة، لا بد من جهود مشتركة بين الحكومات والمجتمعات والمؤسسات التعليمية. برامج توعية لاستخدام وسائل التواصل بمسؤولية أصبحت ضرورة لان : “ما حك جلدك مثل ظفرك”، وإجراءات قانونية صارمة يجب أن تضمن أن الحرية لا تتحول إلى “حرية بلا ضوابط”.
قضية المؤثرين الجزائريين ليست سوى فصل جديد في كتاب مفتوح على أزمات العصر الرقمي. “لكل مقام مقال”، فهل يتعلم هؤلاء المؤثرون من أخطائهم ويعيدون تقييم مسارهم؟ أم أن الطريق سيبقى مفتوحًا لمزيد من الانزلاقات، ليبقى السؤال الأهم: متى ينضج الوعي الفردي والجماعي في عصر الكلمة فيه “إن لم تُحسنها قتلتك”؟