بقلم: عبد الدين حمروش
إنه غول سياسي، وزد على ذلك كونه غولا انتخابيا. لا يكل ترامب من رفع التحدي، الواحد تلو الآخر، في وجه كل الصعوبات التي تعترضه. يتهمه خصومه بالشعبوية، والإثارة الخطابية، متناسين أنهما جزء من شخصيته السياسية، وجاذبيته لدى فئات واسعة من الشعب الأمريكي، الإنجيلية المحافظة بالتحديد.
كان بالإمكان أن يقود الولايات المتحدة الأمريكية إلى حرب أهلية، بعد أن أعلن بايدن فائزا في الانتخابات الرئاسية السابقة. لذلك، لم يفتأ بعض المحللين يحكون عن التحديات التي تواجهها أمريكا، خلال انتخابات 2024 الحالية، بسبب الانقسام الحاد الذي يعرفه المجتمع الأمريكي، والذي تذهب به شخصية ترامب المتمردة إلى أقصى حد. لا يزن الأمور بعواقبها. ألم يرسله الرب إلى أمريكا لإنقاذها، بعد أن أنقذه من محاولة تصفيته مؤخرا؟ الرجل يعتبر نفسه مسخرا إلهيا، على غرار ما هو موجود في بلدان الشرق. لعل هذا ما قاله، بعد أن تواردت النتائج الإيجابية لصالحه، منهية كل أمل في صعود امرأة (سوداء، مختلطة الأعراق) إلى سدة الرئاسة.
إنه صريح، مباشر، يقول ما يدور في عقله. لا يراعي من يخاطب، حتى ولو كان رئيساً أو ملكا. فج إلى حد الوقاحة. وإلى ذلك، يعبر عما في ضمير أمريكا، من براغماتية وعنصرية وأنانية، بدون مواربة. ما يعلنه حقيقة باسم الجمهوريين، يخفيه منافسوه الديمقراطيون. لذلك، كم هو محرج لأصدقائه كما لخصومه!!!
لقد أغلق تمثيلية الفلسطينيين في واشنطن، وأشرف على صفقة القرن، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ثم زاد فأهدى الجولان إلى المحتل الإسرائيلي.. ماذا بقي؟ ربما لا شيء. ومع ذلك، وإلى حد اليوم، لم يشارك في حرب الإبادة الجماعية على الأهل بغزة، كما شارك الديمقراطيون بتواطؤ مقزز. يقول المحللون إن لا فرق بين “الفيل” و “الحمار”، سوى أن ما يفعله الأول ويقوله، يفعله الثاني ولا يقوله. بالنتيجة، هما، في الفعل، سيان. الديمقراطيون زادوا الحمار مهانة، وإن هو بريء من كل ما به يقدح.
مرة ثانية، سيفضحنا ترامب، وعلى مدى سنوات قادمة، وسيلزمنا بأن نتحلى ب”قلة النفس” وغياب الحيلة، والعجز المطلق، حتى تمر الأربع العجاف البطاء. وعلى الرغم من هذه الحقيقة القاسية، فترامب يظل الأفضل. الأفضل لنا ولنتانياهو معا. ذلك أن ترامب سيضع العربان أمام تحديات الواقع بدون مساحيق. إما أن تكون إسرائيل كاملة، وإما أن يكون لهؤلاء “بعض” من مكان على هذه الأرض. إن كنا ننتظر أحدا، فلننتظر ترامب، المسخر المضمون من رب الأرباب، أبينا الذي في السموات.
لقد فعلها ترامب، بعودته إلى بيته البيضاوي مجددا. قيل إن الدولة العميقة ستقف في وجه عودته تلك. من كان سيقف في وجه البلدوزر؟ لقد أعلنها صراحة: إما أنا أو الطوفان؟ لكن، بعد أن عاد عودته الثانية الميمونة، من المستطاب أن يتحدث عن الديمقراطية الأمريكية، وعن وحدة الشعب. السياق، الآن، سياق تهدئة. أما العرب الأمريكيون، فخيرا فعلوا، بعدم تزكيتهم المنافقين من “الديموقراط”. بهكذا، سيكون لهم وزن في المستقبل الانتخابي القريب. لعل لهم ذلك..
وعلى حد قول أبي الطيب:
وإذا لم يكن من الموت بد/// فمن العار (العجز) أن تموت جبانا