ترامواي الرباط ومسيرة فلسطين

بقلم: عبد الدين حمروش

الترامواي ينساب، بسلاسة، وسط الجماهير المحتشدة. كان ذلك خلال مسيرة الرباط، التضامنية مع الفلسطينيين واللبنانيين، يوم السادس من أكتوبر الجاري. مشهد بديع، اِلتُقط من فوق، على الرغم من كونه مشهد احتجاج على التقتيل والتدمير، الجاريين بمرأى العالم وسمعه. الترامواي يستكمل طريقه، وسط الحشود، ثم يلتف بمرونة. وعلى الرغم من الآلاف المؤلفة من المحتشدين، المتضامنيين مع إخوانهم في فلسطين ولبنان، إلا أن لا “شيء” أعاق تقدّم الطرامواي إلى وجهته. المشهد في قمة المدنيّة والتحضّر. لا يمكن أن ينتج الانتصار للقضية الفلسطينية العادلة إلا مثل هؤلاء المغاربة، الذين يعرفون كيف يتضامنون ويحتجون بِرُقِيّ ملحوظ.

يمكن أن يُقرأ السماح بتنظيم المسيرة على أنه “تنفيس” للبالون الشعبي المحتقن، من جراء متابعة الأهوال التي يكابدها الفلسطينيون واللبنانيون، بفعل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة ضد الإنسان والحجر والشجر. وعلاوة على هذا، يمكن أن تُقرأ المسيرة، بالحجم الذي بلغته أعداد المواطنين المشاركين فيها، على أنها رسالة إلى طرفين:

– إلى الجوار القريب، الذي ظل يدّعي أن البلاد على حافة الانهيار الشعبي، بسبب مظاهر الفقر التي يكابدها المغاربة، جراء البطالة والظلم الاجتماعي. المسيرة الحاشدة أكدت أن لا خوف على السلم الاجتماعي في البلاد.  ليس هناك من ينكر الأزمة الاجتماعية، المتجلية في بطالة الشباب بخاصة. ومع ذلك، فالمغاربة بمرتبة من الذكاء، بحيث لا يقبلون الخلط بين الأمور. إن المسيرة الحاشدة، إذ ترسل رسالة إلى المتربصين، عن مناعة الجبهة الداخلية للمغرب، فهي ترسل رسالة أخرى إلى الحكومة، مفادها أن لا مندوحة عن الاهتمام بترقية معيش هذا الشعب العريق والعظيم؛

– إلى الغرب، مُمثلا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، الذي ما انفك يضغط باتجاه “السكوت” على ما يجري في فلسطين ولبنان. لقد أعلنها المغرب، عبر سماحه بتنظيم المسيرة، وعلى ألسنة المحتشدين ضد الغطرسة الإسرائيلية، بأن ما يجري من قتل وتدمير لا يمكن القبول به. وعلى الرغم من تفطُّر قلوب المغاربة، بفعل ما ينال أشقاءهم من مآس وأهوال، إلا أن ذلك يمكن اعتباره بمثابة “إعفاء” من كل تقارب “غير مرغوب فيه”، على المدى المنظور والمتوسط. ما تفعله إسرائيل في لبنان وفلسطين تجاوز كل الحدود، ما سيجعل أي تقارب مستقبلي بعيد المنال.

لقد استطاع المغرب تذويب قطعة الحديد الصلبة، باتجاه حلحلة قضية صحرائه بشكل نهائي. اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء، والذي فتح المجال أمام اعتراف عدة دول أوروبية مؤثرة عديدة، كان بداية التحول الحاسم في مسار القضية. وما تفعله إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، وما أثار من غضب على الصعيد الدولي، سيقوي من موقف المغرب الداعم للجبهة الفلسطينية- اللبنانية.