بقلم: د. أحمد موسى*
كان لافتا أثناء الحملة الانتخابية للرئيس مسعود بزشكيان استعماله خطابًا مذهبيًا يمتح من تاريخ وحوادث الشيعة، منذ تأسيس هذا المذهب كتيار سياسي عقدي. وهذا مفهوم في دولة دستورها يقر بأن المذهب الشيعي الاثنى عشري هو المذهب الرسمي للدولة والمجتمع. ولئن سبق بزشكيان رؤساء آخرون إلى هذا النهج في التواصل ومخاطبة الجمهور في حملة انتخابية رئاسية، إلا أن إصرار رئيس الجمهورية الإسلامية الجديد على اجترار فقرات ونصوص يحفظها عن ظهر قلب من كتاب “نهج البلاغة” وكتب أصولية وحديثية شيعية أخرى، بحيث لوحظ أنه كان في كل خمس أو ست دقائق يستشهد برواية أو حديث من كتاب نهج البلاغة، لدرجة أن منافسه الأصولي سعيد جليلي طالبه بدل قراءة الأحاديث بتقديم برنامج سياسي واضح. فقد جرَّ عليه هذا الأسلوب انتقادًا واسعًا من قبل المؤيدين قبل المعارضين، خاصة بعد وصوله إلى سدة الحكم وظهور بوادر غير مبشرة عن ملامح سياسته وطريقة إدارته للحكومة.
ومع إعلان أسماء وزراء حكومته انطلقت موجة من الانتقادات تنم عن اليأس والإحباط الذي أصاب عددًا كبيرًا من مؤيدي الرئيس وداعميه. وبدأت تطفو على الساحة الإعلامية وعلى لسان الفعاليات السياسية تساؤلات كبيرة من قبيل: إذن أين هي وعود “نهج البلاغة” و”العدالة” و”الاستقامة” التي أطلقتها في حملتك الانتخابية؟
وذهب بعض النشطاء السياسيين إلى اتهام بزشكيان باستغلال العامل المذهبي لاستمالة أصوات الناخبين وممارسة التضليل والخداع على الشعب، ووصفوا حكومته ب”حكومة الخداع”.
وكان طريفًا تعليق أحد النشطاء على لائحة وزراء الحكومة المعلنة من قبل الرئيس، إذ قال: «السيد بزشكيان الذي يقرأمن كتاب نهج البلاغة للإمام علي، عَلِق في اختيار الوزراء بين عليين: علي بن أبي طالب وعلي الخامنئي. وهذه اللائحة تبرز أنه في نهاية المطاق قدم رضى علي الخامنئي على رضى علي بن أبي طالب».
بعد انتهاء الانتخابات ارتد خطاب “نهج البلاغة” على بزشكيان نفسه، وصار خصومه ومؤيدوه ينتقدونه بنفس منطقه ويحاربونه بنفس السلاح. وفي هذا الصدد استندت عدد من الصحف واحتج عدد من الكُتَّاب والنقاد من الفريقين بنصوص من نهج البلاغة، الكتاب الذي يضم بين دفتيه كلام الإمام علي بن أبي طالب وخطبه، ليطالبوه بالإيفاء بوعوده الانتخابية. وفي ذات السياق كتبت جريدة الجمهورية الإسلامية في انتقاد حاد للرئيس على خلفية تشكيلة الحكومة المقترحة من قبله: «كان من المقرر أن تختار في تشكيلة حكومتك أصوات من لا صوت لهم، ويؤسفنا أن نصارحك بهذه الحقيقة لأن الأسماء التي أعلنتها للاستوزار تتناقض كليا مع هذه المقاربة. إذا كان وزراء حكومتك من هذا الصنف فيجب منذ اللحظة أن نقرأ الفاتحة على هذه الحكومة» ويختتم المقال مخاطبًا بزشكيان بهذه العبارات: «ونحن ندق ناقوس الخطر نتمنى لك الخير، ونريدك أن تسلك الطريق التي رسمها أمير المؤمنين لمالك الأشتر في نهج البلاغة. فاقبل منا هذا النصح واقطع الطريق منذ البدء عن الأثرياء والمرفهين، أيها الرئيس، يا قارئ نهج البلاغة!»
يذكر أن هذه الجريدة كانت أيام الانتخابات من المنابر الإعلامية التي رحبت وبشرت بـ”ظهور رئيس يقرأ نهج البلاغة”. وكتبت يومها: «لقد أنار القلوبَ نورُ أمل إذ ستمسك بزمام أمور الدولة حكومةٌ تمثل العدالة العلوية»
نهج البلاغة مختارات من خطب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورسائله وقصار كلمه، جمعت على يد سيد رضى، من علماء الشيعة ومتكلميهم في أواخر القرن الرابع الهجري. هذا الكتاب له حظوة بالغة وأهمية كبيرة لدى الشيعة وينعتونه ب”أخ القرآن”.
وتأثير نهج البلاغة في أفكار عدد من أعلام الثورة الدستورية في إيران مشهود وموثق، وعلى رأس هؤلاء العالم المجتهد المعروف الميرزا محمد حسين النائيني. كما أنَّ هذا الكتاب مثَّل سراج الطريق الذي اهتدى بنوره به صناع الثورة الإسلامية في إيران.
*أستاذ اللغة الفارسية والأدب المقارن، مترجم ومختص بالشؤون الإيرانية