هذا ردي على مقال سعيد بوعيطة «الإنسان والبحر» (زكية لعروسي)

بقلم: زكية لعروسي

ما هِي ابْحْرْ، مَا هِي أرْضْ، وما هِي حْبّْ المْلُوكْ”

وانت تتساءل يا صديقي: هل سيرحل البحر حقا؟!!! احسست امام فرضية رحيله التي هي في طريقها للإثبات أنني كَإِكْسْترَاتِيرِيسْتْر انتهت مدة صلاحيته … نعم منتهية صلاحيتي لأنني مازلت افكر -كبعض ابناء جلدتي من الاقلام- كيف اُحَوِّلُ حبراً ماءَ البحر المخترَ؟ ماء أصبح بلون لا وجود لنعت له بقواميس العرب ولا اللغات الاخرى.

سافشي لك سرا لم اخبر به احدا قبلك وهو انني ااحتفظت بهذا الماء المختر بالملح في قارورة ” “طرشي” منذ سنين مراهقتي، ليعبر معي إلى ديار المهجر، علَّني استبق بني جلدتي حين يندثر المداد، و” استيلويات بيك”، وينتهي زمن الألوان والخيال بانسحاب البحر، وانتهاء الفراشات، والاسماك، مؤمنة بقول امي: ” خزان الدقيق ما يندم”، فاخرج منه ذاك الماء المختر قصائد رثاء، وعشق يبْتقِلُ منها بنو قومي فتُسمن خيالهم بالالوان والعمق -راجية من الله ان تزيد في المزاد حين تندثر شواطئ البحور.. فقد قال أجدادنا: ميات جن وجنية ولا وحدة وجدية”.

أو تدري لماذا احسست أنني إِكْسْترَاتِيرِيسْتْر، فقط لاني كنت اجهل، أو حاولت أن اتجاهل ان البحر على وشك الرحيل، و ان النفايات أثقلت الارض التي ما عاد بطنها خصيبا ولا عشيبا منذ سكت صوت الرعد بأَرزُم السحاب الكثيفة والقليلة الثقوب.

فكيف لي أن أسعى إلى تدوين قصائد تخلق رجال مقاومة.؟! رجال قلَّت لحيتهم وحياؤهم، وكثرت ثرثرتهم حتى أخرسوا كل الغمام.. وبعدها رحلت عيونهم ونظراتهم إلى مغارات الانترنت، و اثداء سيليكونية ، فأبكوا الطفل والجدة، حتى تبللت الوجوه والمناديل، فراحوا إلى “متحف ام كلثوم” للسطو على مناديلها..

كل شيء يومئ بالرحيل “غي اللي بغا يتعامى”، وانا تاىهة “لاخبر ولا دراية”، فما عاد شيء قائم على ساق، ولا شجر باق على طبيعته تتفرع اغصانه وتتشعب على افنان، فحتى ما تبقى من القرع والبطيخ، والبطون المنبطحة والمنبسطة، وما تقزم من الطبيعة هو على وشك الاندثار.

الم اقل لك أيها الصديق انني ك”إِكْسْترَاتِيرِيسْتْر منعدم الصلاحية ” اكل عليه الزمان و”شرب واستنفر وتمضمض”، كيف لي ان اسكر بحبري ولفظي عروقا ما عادت تجري دما، بل إنها تقلصت بالسيليكون والنفايات… فكَّرتُ، وخمَّنتُ، وقلت: لعل روسيكلاج النفايات سِيلِيكُونًا، هي فكرة جيدة، كما يقول المثل ” من لحيتو نبخرولو”، وخصوصا ان الارض “تصابت بالضيقة في صدرها”… فلم لا، الفكرة حسنة لبسط عقيدة الروسيكلاج، وحتى يُجرِّبْ من طغى واستكبر، لكن سرعان يا صديقي ما تراجعت عن هذه الفكرة ” وقلت بيني ومابين نفسي”: من أكون في ملك الله لأقعد للبحر والطبيعة؟؟؟ فلا لأحد كائِناً منْ كانَ أن يفعل هذا، لأنها الطبيعة ويجب أن نترك الطبيعة لطبيعتها، وفي حال انتشار عقيدة الروسيكلاج بالسيليكون، من سيحمي البحر من اجساد الروسيكلاج السيليكوني؟؟؟ إنها، والله، للطامة الكبرى، سيجمد البحر وتشل حركة امواجه ومده وجزره، وما تبقى في الأطراف السيليكونية سيذيبه شعاع .. عذرااا، بل لهيب الشمس ” فَيْسٍيحْ” ويسمم ما تبقى من البطيخ والقرع المقزم باليابسة.

ثق بي لقد احسست بغربتك يا صديقي، وبغربة، وقلق البحر، ما هو إيجابي اني تأكدت -على الاقل- مذ وجدت مخيالك حاتميا وانت تفكر في مصير البحر أنَّ عروقك ليست سيليكونية، وان ضميرك “حي يرزق”، فعذرت جودك غير المتعمد، وتفكيرك في مصلحة قرع وبطيخ متجدد ” بْلانَا بيه رِبي”…

لقد” فكرت ثانية ، ودبَّرْت، و” دْوّْرتها في جمجمتي الصغيرة” ، ووجدت أنك على حق يا صاحب القلم والقلب النازف دما ف”وحدَة تْسَكًّرْ وَحْدَة تْفًكَّرْ، ووحْدَة تردْ للعقل” كما تقول دائما “امي خيرة”.. لأعود إلى الوراء واحاكي نفسي: ” كم انت بليدة، وبلهاء ومتسرعة في أحكامك… ألم يقل جاحظنا : ” ولا نلتمس الفروع إلا بعد إحكام الاصول”…إذن فالبحر، ثم البحر اولا، والحبر ثانيا.

فعلمت أن رأيك صواب، لان الكل أتقن الإبحار من دون أشرعة -ولله الحمد-، فلم تعد للبحر اسرار، واصبح “بايْنْ” للعيان، فلن يستطيع ان يكتم صخبه ومده وجزره، بل لم تعد له حرمة ولا خلوة بحيتانه ” دياولنا جبدولوا مصارنو، وعرف الغادي منا والبادي اسرارو””، كما فعلوا مع الشمس والقمر، ووووو.. فلا تخفى منه خافية عن الحفاة العراة السبليكونية “عراوا على كل شي.. وجبدوا للعجب صرتو”، بل انهم بحثوا عن حوت “صاحب الحوت”. من بعد ما ” دقدقوا كلشي العظام ديال الأسماك الاخرى” كبيرها وصغيرها، اما “السردين” المسكين فهو في طور الانقراض.. وهجموا على ” كل ما يْبُوجِي”.

صاح لقد ” احفى عقلي”.. كيف لنا معاتبة أو إيقاف من اتمموا رسالتهم وابلغوها على اليابسة؟ وأبِقُوا إلى الفلك المشحون ليتنافسوا مع صاحب الحوت، ليعلنوا توسعهم السيليكوني وحروبهم ضد الطبيعة؟!!!

بعدما “بصرت ونجمت” علمت “ان البحر عميق جداا جداا ما اعمق” أيها الافلاطوني، وأن ” عقلي صغير مثل الحمصة” ووجدتك على صواب ” ميا في الميا”، فراودتني فكرة جهنمية “ما طيحش حتى على جن الجنون”:

” بما أننا نحن اصحاب الاقلام حاكينا النجوم والجبال والوديان واهرقنا محابرنا في تكثيف السطور وسرعة الطبع، وامتصصنا نورالشمس والقمر والاسلاك الكهربائية حتى حال لونهم، وسرقنا نبض السماء، وبما ان منابر السمعي البصري و”الصنادق” كما تقول “ما خيرة” أثقلت باجساد السيليكون، فلنذهب انا وانت وابناء جلدتنا من الأقلام إلى البحر قبل أن يرحل و نلقي بأنفسنا فيه ليلتقمنا الحوت، وداخل بطنه نُسبح، ونًذْكر ونُثْني على الأرض علنا نُلهَمُ بكلمات نُبددُ بها ظلمات القارئ، ونزيل عنه كرباته، فينجا من الغم والغرق كذي النون. ولا يغزو البحر، ولكن أوصيك بالصبر يا صديقي داخل بطن الحوت، حتى لا تكون كصاحب الحوت في قلة صبره، و”الحاجة الحمداوية” التي رحلت قبل البحر.

انا متيقنة الآن ان الاصول قبل الفروع كما أنَّ “راوية الاشعار يجب ان يبدا برواية اشعار هذيل، وقبلُ رواية شعر عباس بن الأحنف، ورواية شعر ابن أحمر تكون قبل رواية شعر ابي نواس”، فقبل أن نهرق حبرنا، وتضيع روايتنا ونتعرض للصد، والجفاء، وربما العذاب يجب أن نستبق الحدث والطوفان، وغزو ” اكحل الراس للبحر” ونجد مأوى آمنا لنستمر في غمس اقلامنا، وما ارى إلا بطن الحوت كمأوى يا صديقي الافلاطوني.

فلنمش على نهج ذي النون، ولندعم مخيالنا، ونواسي جروح اوراقنا، ولننبذ منابر تعبير اصبحت تكْلُمُ ما في صدورنا، ولنأرخ قصصنا ومآسينا، ونثبت دراما حكايانا بين أضلاع الحيتان قبل أن يهيج البحر، ويمسه المد والجزر وإذا فعلنا، فلنفعل دون ان نهشم عظام صدر الحوت- عدا إلا ارْشاوْا الأقلام ديالنا- وحتى لا نكون مثل عقول السيليكون التي هشمت جماجم الكثير، فيبتلعنا الحوت، او ياكل ما تبقى من لحمنا ومعه مخيالنا، فنسقط في ظلمات بعضها فوق بعض، لنمسي نسيا منسيا كالاولين، أو من المغضوب عليهم على اليابسة وفوق المنابر وفي البحر ايضا، وما ” تنفعنا ندامة” آنذاك، ونصبح هباءا منثورا، “ماهِي بْحْر ماهِِي ارض، ما هِي حِْبّْ المْلوُكْ، ما هي احنا”.. فادرس خطتي الجهنمية قبل “ما يفوزوا بها القومان يا صاحبي”، وتَدبَّرْها، ولا تك كمن عَلَى قُلُوبٍهم أَقْفَالا من بني جلدتنا من الأقلام…..