النساء في مشروع قانون المالية (بقلم رحاب حنان، كاتبة وطنية للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات)

*بقلم: رحاب حنان

تنظم منظمة النساء الاتحاديات والفريق الاشتراكي بمجلس النواب يومه الجمعة 4 نونبر 2022 هذه الندوة التي اختير لها كعنوان: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2023

ولم يكن اختيار هذا الموضوع اعتباطا، بل أملته ضرورات لها علاقة بالسياق الوطني والإقليمي والدولي، الذي أعاد طرح سؤال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في تزامن مع ما شهده العالم من تحولات وبائية ومناخية وديموغرافية، ومع استمرار التوترات الجيوستراتيجية التي تترجم عبر النزاعات المسلحة والحروب الاقتصادية.

إن كل هذه المتغيرات قد انعكست سلبا على المعيش اليومي للأسر، وطرحت تحديات بخصوص المستقبل، والذي أصبح مطبوعا باللايقين، وقد علمتنا التجارب الماضية أن الفئات الهشة هي التي تدفع الفاتورة الكبرى في مثل هذه المنعطفات.

ولقد تنبه جلالة الملك بنظرة استباقية إلى كل هذه التحولات، فبادر إلى تشكيل لجنة لاقتراح نموذج تنموي جديد، توجت أشغالها بوثيقة معيارية ومرجعية، تتضمن الحدود الدنيا التي لا بد منها للتأسيس لممكنات الدولة الاجتماعية القوية والمتضامنة، وهو ما يتطابق مع المشروع المجتمعي والاقتصادي التي ما فتئ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يقترحه على المواطنين.

على أنه ينبغي الإقرار أن أي انتقال نحو الدولة الاجتماعية لم يكتب له التحقق، إلا إذا انطلق من أجرأة سليمة لقيم الإنصاف والتضامن والمساواة، مما يقتضي جبر ضرر تاريخي لحق النساء لعوامل متعددة، وهذا ما يجعلنا نضع مقاربة النوع الاجتماعي دليلا سواء لقياس ما تحقق، أو لتقويم الاختلالات، أو لاقتراح البدائل.

وللأسف، فإن جائحة كوفيد التي لا تزال آثارها مستمرة، وتلقي بظلالها على كافة المجالات، أبانت حسب تقارير رسمية مؤسساتية، وأشهرها تقرير المندوبية السامية للتخطيط، أن النساء كنا على قائمة ضحايا تلك الفترة، سواء على مستوى مؤشرات البطالة، أو العنف، أو تراجع الدخل، أو صعوبة الولوج للخدمات الصحية وغيرها مما يعتبر حقوقا اقتصادية واجتماعية يصبح الطلب عليها مرتفعا في وقت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية والوبائية، التي تقتضي تحصين هذه المكتسبات.

وقد كشف “تقرير الميزانية القائمة على النتائج من منظور النوع”، المصاحب لمشروع قانون مالية 2023، أن معدل النساء في الوظيفة العمومية يمثل فقط 36 في المائة، في حين أن معدل ولوج النساء إلى مناصب المسؤولية هو 25.76 في المائة.

ورصد التقرير استمرار الفوارق المبنية على النوع الاجتماعي على الصعيد الوطني من حيث الولوج إلى الفرص الاقتصادية. مما يظهر أن معدل تأثر النساء  السلبي بالأزمات الاقتصادية والإنتاجية يكون بشكل غير متناسب مقارنة بالرجال. ومن أمثلة ذلك أن عدد النساء المشتغلات لا يتجاوز 2.5 مليون امرأة، أي أن معدل تأنيث التشغيل وصل بالكاد 28 بالمائة عام 2000..

ولكن بالمقابل تم بفقدان حوالي 432 ألف منصب شغل، مع انخفاض معدل تشغيل النساء ليصل إلى 16.7 بالمائة سنة 2020، مقابل 18.6 بالمائة سنة قبلها ، إلا أن المفارقة أن معدل تشغيل النساء في المجال القروي 26.3 بالمائة، في حين لا يتجاوز14.5 بالمائة في المجال الحضري، عام 2019، مقابل في سنة 32.9 بالمائة و21.9 بالمائة عام 2000.

مما يعني أننا لا نعيش تراجعا فقط، بل لا زال معدل التشغيل في صفوف النساء مرتفعا في القطاعات الأكثر هشاشة، والتي تقل فيها ضمانات الاستمرارية المهنية، وتكاد لا تتوفر على الحد الأدنى من احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

والأكثر خطورة أنه ما بين سنة 2019 و 2020 ارتفعت نسبة النساء المشتغلات غير الحاصلات على أي شهادة من 60 بالمئة إلى 80 بالمئة، وهذا مؤشر على أن أزمة الكوفيد دفعت نساء كثيرات من الطبقة المعوزة للالتحاق بسوق الشغل، ولكن في القطاعات غير المهيكلة أو الهشة، وضعيفة المردودية مهنيا واعتباريا وماليا.

لن نطيل في سرد الأرقام والإحصائيات، ويمكن الرجوع لتقارير المندوبية السامية للتخطيط، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ليتبين أنه بدون ردم الهوة ما بين النساء والرجال بخصوص التمكين الاقتصادي والمحتمعي، فإن غائية الدولة الاجتماعية ستكون مهددة.

ومادام قانون المالية هو الذي يحدد السياسات العامة والأولويات، وخارطة الطريق الأساسية لما سيتم التركيز عليها بخصوص تدخلات الحكومة لإقرار الحقوق ، فإن مساءلة مشروع قانون المالية الحالي من منظور مقاربة النوع الاجتماعي يجد مشروعيته في الطموح الجماعي للانتقال نحو الدولة الاحتماعية.

*كاتبة وطنية للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات