في التفاتة ثقافية وعلمية لما أسداه د/ عبد القادر كنكاي (عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك – جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء) أصدر عدد من الباحثين الجامعيين من تخصصات مختلفة وبثلاث لغات كتابا جماعيا بعنوان ” الدار البيضاء : التاريخ والثقافة والانسان”، أعمال مهداة إليه تكريما واعترافا بمُبادراته الخلاّقة والأصيلة في جعل الجامعة فضاءً للمعرفة والإبداع وتجليات ذلك في إشرافه وتشجيعه ودعمه للبحث العلمي وللأحداث الثقافية والفنية والبرامج الأكاديمية المختلفة التي نظمها كلية الآداب بنمسيك تحت إدارته.
أشرف على تنسيق مواد هذا الكتاب : سمير الأزهر ومحمد الأمين مومين ورشيد الحضري.
وقد جاء هذا الكتاب مقدما الدار البيضاء من زوايا متعددة كما يراها المؤرخ وعالم الاجتماع والأديب والفنان ، وهو ما تعكسه المقالات الأربعة عشر المضمنة فيه، والمكتوبة بثلاث لغات: الإنجليزية والفرنسية والعربية؛ وهي مقالات تتداخل فيما بينها بطريقة أو بأخرى، الشيء الذي يحقق التفاعل ويحقق الهدف الفعلي المتجلى في تقديم نظرة ثاقبة عن الدار البيضاء.
يتكون القسم الأول من خمس مقالات باللغة الإنجليزية: يصف محمد الأمين مومين في “الدار البيضاء: المدينة والناس واللهجة” السياق الاجتماعي والتاريخي للغة العربية المغربية بها. ويناقش سمير الأزهر في “المجتمع اليهودي المغربي بالدار البيضاء بعض الجوانب التاريخية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة باليهود المغاربة ، فيما يتناول عبد المجيد بوزيان مسألة التعليم الإلكتروني خلال جائحة كوفيد 19. بينما تقدم الورقتان الأخيرتان شهادتي الأمريكيتين ليزا روبرتس ونينا مورغان، على التوالي، بعد زيارتهما لمدينة الدار البيضاء، حيث تسجلان انطباعاتهما الأولى وتجربتهما في الدار البيضاء.
وتضمن القسم الثاني أربع مقالات باللغة الفرنسية، في مقالتها، تدعو ليلى مزيان القارئ إلى تتبع تاريخ الدار البيضاء والتطور المستمر لأسماء المواقع الجغرافية بمرور الزمن، والاطلاع على تاريخها الجيوسياسي وسياقها الثقافي المتعدد (أنفا، دار البيضاء، کازابلانکا). ويرصد مصطفى نشوي “تطور السكان والسكن في الدار البيضاء”، منذ إنشائها وحتى العصر الحديث. وتشكل مقالة عبد القادر كعيوة ” الدار البيضاء: التجديد وتحديات تنمية مدينة كبرى” محطة للكشف عن وضع النمو السكاني والاقتصادي .كما تتطرق رقية بن شقرون في مقالها “الدار البيضاء: التنمية الحضرية” إلى موضوع التنمية الحضرية للمدينة البيضاوية مع تناولها بعض التحديات التي تواجهها اليوم.
في القسم الأخير من هذا الكتاب الجماعي، خمس مقالات باللغة العربية. يتتبع عبد المجيد القدوري العلاقات التاريخية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية. فيما يتناول محمد الأسعد موضوع رسم خرائط المرافق العامة في مدينة الدار البيضاء من منظور الجغرافيا الاجتماعية، ويحاول معالجة القضية بأبعادها الوظيفية والديناميكية. بينما تتمحور مقالة عبد الباقي بل فقيه حول إغلاق كوفيد 19، الذي خضع له المغرب لمدة ثلاثة أشهر تقريبا، وهي فترة كشفت الفوارق الاجتماعية فيما يتعلق بطبيعة المسكن، الأسرة، ومشكلة الاختلاط بين أفرادها. واختص مقال قاسم مرغاطا بتقديم تأملات في الفنون في أوقات الاستثناء والصدمة، وهي اللحظات الفظيعة والقاسية للإنسانية خلال جائحة كورونا. مثلما ركز محمد اغليمو على الدار البيضاء كما وردت في بعض النصوص الأدبية في فترات زمنية مختلفة، وهي نصوص تعكس جوانب عديدة لهذه المدينة المتعددة الأوجه.
ويعتبر د/عبد القادر كنكاي الذي جاء الإهداء إليه أحد اللسانيين البارزين بالجامعة المغربية، حصل على الدكتوراه في اللسانيات والتواصل من جامعة باريس الثامنة (1990)، ثم شهادة دكتوراه الدولة في اللسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني – المحمدية (1999) . وقد عمل لعدة سنوات في معهد العالم العربي في باريس، واشتغل باحثا في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) ، كما ألف العديد من الكتب والمقالات في اللسانيات، بالإضافة إلى مشاركته في العديد من المؤتمرات والندوات الوطنية والدولية في المغرب وخارجه. درس الدكتور كنگاي اللسانيات في شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. عين عميدا للكلية وشغل هذه المهمة خلال سنوات (2014-2022). وفي هذه الفترة، نظمت العديد من التظاهرات/ الأحداث الأكاديمية والثقافية المهمة على المستوى الوطني والدولي بإشرافه وإدارته. بالموازاة مع بحثه وانشغالاته في اللسانيات والتدبير الثقافي والتواصل، شارك في تطوير المهرجانيين الدوليين: المهرجان الدولي الجامعي للدار البيضاء، والمهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء. شارك أيضا، محاضرا أو ضيفا، في العديد من المؤتمرات الوطنية والدولية في مجالات التدبير الثقافي وفي المسرح وفي التداخل الثقافي والترجمة. علاوة على هذا، كان عضوا في لجن التحكيم في العديد من المهرجانات المسرحية في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمكسيك والسودان ومصر والمغرب.