في 26 و 27 يناير 1980 تعرضت تونس لمحاولة إنقلابية عندما قامت ميليشيات إرهابية بتواطئ مع ليبيا و الجزائر بمهاجمة مدينة قفصة جنوب تونس إنطلاقا من الحدود التونسية الجزائرية على مستوى مدينة تبسة الجزائرية .
الخطة كانت تقتضي السيطرة على المدينة و إعلان حكومة مؤقتة تطلب تدخل الجيش الليبي الذي كان يقوم بمناورات عسكرية في الحدود مع تونس و تأسيس جمهورية ثورية في جنوب البلاد تكون عميلة للنظام الليبي بدعم من النظام الجزائري .
الميليشيات الإرهابية إستطاعت السيطرة على مدينة قفصة لساعات بعد أن تلقت تدريباتها في مجموعة من المعسكرات بالقرب من طرابلس التابعة لحركات إرهابية و إنفصالية يدعمها النظام الليبي في ذلك الوقت أبرزها معسكرات تابعة لميليشيا البوليساريو الإرهابية .
رئيس الوزراء التونسي الأسبق ” الهادي البكوش” في تصريحات سابقة بقناة الجزيرة يقول أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة أثناء هذه الأحداث إستنجد بالملك الحسن الثاني ليرسل له مباشرة مجموعة من الطائرات المغربية محملة برجال من وحدات القوات الخاصة لتساعد في تطهير مدينة قفصة من الإرهاب .
موقف الملك الراحل الحسن الثاني الداعم لوحدة و إستقرار و أمن تونس في ذلك الوقت نابع من المبدأ الثابت للمملكة المغربية بقدسية الوحدة الترابية للدول و بإلتزامه الدائم لدعم الشعوب في الأمن و الإستقرار و السلام .
نعود لصفحات التاريخ و نقرأ عن الغذر التونسي المبكر للوحدة الترابية للمملكة المغربية ، في سنة 1960 قاد الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة حملة دولية تدعو إلى إنفصال موريتانيا عن المغرب ، في الوقت الذي كان فيه بطل التحرير جلالة الملك محمد الخامس رفقة قبائل و شخصيات قيادية موريتانية ينادون بإندماج تاريخي و عودة بلاد شنقيط إلى مكانها الطبيعي كإقليم من أقاليم الإمبراطورية المغربية .
أدى هذا الانر لقطيعة سياسبة و ديبلوماسية مغربية تونسية لغاية إعادة العلاقات سنة 1965 .
لكن رغم الخلاف الديبلوماسي الحاد فإنه لم يمنع الحبيب بورقيبة من حضور جنازة الملك محمد الخامس سنة 1961. وهو ما إعتبره الراحل الحسن الثاني موقفا نبيلا و أقسم أنه سيحمل نعش بورقيبة على كتفيه .
يوم سابع نونبر 1987 عرفت تونس إنقلاب طبي ضد الحبيب بورقيبة قاده الجنرال زين العابدين بنعلي الملحق العسكري السابق في سفارة تونس بالرباط ، وفي أول قرار تم وضع الزعيم التونسي الحبيب في إقامة إجبارية بضروف قاسية و معاملة غير لائقة بمدينة المنستير دفعت بورقيبة إلى التهديد بالإنتحار .
ولما تناهت إلى مسامع الحسن الثاني ظروف إقامة بورقيبة ، والتي كانت أشبه بالسجن ، عرض على بن علي شراء القصر الرئاسي بالمنستير ليهديه لبورقيبة ، وهو الأمر الذي رفضه بن علي بشدة . كان الحبيب بورقيبة الإبن وزير الخارجية التونسي في عهد بورقيبة الأب ، هو من إشتكى للملك من سوء المعاملة التي تميز إقامة والده ، وعبر له عن حالة الاستياء التي يعرفها أفراد أسرته جراء موقف بن علي وأتباعه ، الذين سلبوا عائلة بورقيبة الكثير من ممتلكاتها .
في عهد جلالة الملك محمد السادس عرفت العلاقات المغربية التونسية إستقرارا كبيرا و تطورا ملحوظا في ظل تشابه عناصر الإستقرار السياسي و الإقتصادي الذي كان يطبع البلدين قبل أحداث الخريف العربي .
العلاقات المغربية التونسية عرفت ذروتها عندما قام جلالة الملك محمد السادس بزيارة رسمية لتونس سنة 2014 بدلالات عميقة تمثلت في دعم المملكة المغربية للمسار الديمقراطي الذي أفرزته ثورة الياسمين و بأهمية إقتصادية كبيرة للطرفين تمثلت في التوقيع على 23 اتفاقية إقتصادية في ظل وضع إجتماعي وإقتصادي متردي نتيجة ضربات إرهابية أثرت على القطاع السياحي ، ليقوم الملك محمد السادس بجولة تاريخية في الشوارع الكبرى للعاصمة تونس كرسالة ملكية للعالم بأن تونس بلد الإستقرار و الأمن و الأمان و هو ماعبرت عنه المدونة التونسية أحلام عبدلي: “شكراً لجلالة الملك محمد السادس، شعبنا سيتذكر أنه ذات يوم من أيام 2014، وتونس في أزمة اقتصادية خانقة، وسياحتها تنوء حديثاً تحت ضربة إرهابية موجعة، قام ملك صديق لتونس بجولة في شوارع العاصمة، وصافح أهلها وسمح بصور تذكارية مع أبنائها وبناتها وكأنه في مراكش أو فاس”.
تاريخ العلاقات بين المملكة المغربية الشريفة ( المغرب الأقصى) و تونس (إفريقية) يتجاوز منطق المشترك الجغرافي و وحدة المصير ليتحول إلى جزء من مسار تاريخي طويل بين دولتين عريقتين و شعبين عظيمين ،هذا التاريخ عرف في لحظات تاريخية معينة تنافس إقليمي( الصراع بين المملكة المورية المغربية و دولة قرطاج كجزء من الحروب البونيقية حنبعل القرطاجي ضد الملك باكا الموري 206 قبل الميلاد ) ( الأغالبة في تونس – الأدارسة في المغرب القران السابع الميلادي ) و في لحظات أخرى كانت تونس إقليما مغربيا ( الموحدين – المرينيين القرن الثاني عشر ) .
التاريخ المشترك بين البلدين به الكثير من الأحداث و الوقائع التي لن يتسع المجال لذكرها لكنه يؤسس لعلاقة خاصة و إستثنائية بين الشعب المغربي العظيم و الشعب التونسي الصديق و يجعل العلاقات بين البلدين تأخذ أبعادا أخوية يصعب تفكيكها أو التأثير عليها .
الرئيس التونسي السيد قيس سعيد اليوم يدخل تونس بشكل مجاني في مسار سياسي مختلف عن التوجه العام للدولة التونسية في مايخص التوازنات الإقليمية في منطقة المغرب الكبير و العلاقات القوية التي تربط بين العاصمة تونس و الرباط .
الموقف التونسي من قضية الصحراء المغربية التاريخي هو النأي بالنفس عن التدخل في هذا الملف و الإبتعاد ما أمكن عن التماس الديبلوماسي مع مصالح المغرب و تغليب منطق العقل و التدبير العقلاني للعلاقات الثنائية سواء في عهد الحبيب بورقيبة أو خلفه زين العابدين بنعلي و عدم السقوط في فخ الموقف الجزائري الذي يقف ضد طموح شعوب المنطقة في بناء المغرب الكبير كفضاء إقليمي يحقق الوحدة و التنمية و الإزدهار للشعوب المغاربية .
إستقبال مجرم الحرب زعيم الميليشيا الإنفصالية القادم إلى مطار قرطاج بطائرة جزائرية من طرف الرئيس التونسي قيس سعيد هو بداية الإفلاس السياسي للدولة التونسية و دليل على غياب رؤية إستراتيجية واضحة و عنوان على التخبط الذي يعيشه النظام التونسي الذي يراكم يوميا قطيعة فعلية مع الشارع في ظل أزمة إقتصادية خانقة و إحتجاجات يومية تعرفها شوارع البلاد نتيجة السياسات الإقتصادية و الإجتماعية الفاشلة التي تتخدها الحكومات المتعاقبة منذ أحداث الخريف العربي و كرستها ولاية الرئيس التونسي قيس سعيد في غياب حوار وطني شامل و بإستفراده لعملية إتخاذ القرار.
موافقة تونس على مشاركة الكيان الإنفصالي في منتدى طوكيو للتنمية في إفريقيا تيكاد TICAD8 هو نتيجة طبيعية للإنقلاب الدستوري الذي قام به قيس سعيد في 25 يوليو 2021، والذي بموجبه أمم السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، في صورة صلاحيات مطلقة أعطاها لنفسه في دستور جرى تصميمه ليتناسب مع رؤيته لهياكل السلطة، ويمنحها شرعية دستورية، و أسس لقطيعةً مع الإرث السياسي لديمقراطية ما بعد الثورة و تراجع خطير عن مبادئ ثورة الياسمين التي تدعو للديمقراطية الشعبية و إحترام حقوق الإنسان و بناء دولة السيادة التونسية البعيدة عن التأثيرات الإقليمية .
اليوم تونس برضوخها لمطالب النظام الشمولي الجزائري بإتخاذ موقف معادي للوحدة الترابية للمملكة المغربية و إستقبال زعيم ميليشيا و مجرم حرب خدمة للمشروع التوسعي البومديني فإنها تفتح بوابة التدخل الجزائري الشامل في الشؤون الداخلية و الخارجية الخارجية للدولة حيث أكدت على مزاعم سابقة لمسؤول جزائري في إحدى الفضائيات بأن تونس “ولاية جزائرية” !!
تونس اليوم للأسف ” تقبل أن تكون في مقعد التلميذ الذي يتلقى دروسا ثم ينتظر بعد ذلك العدد الذي سيتم إسناده إليه أو الملاحظة التي ستدوّن في بطاقة أعداده ” تصريح سابق لقيس سعيد .
تونس اليوم أمام مفترق طرق تاريخ و منعرج خطير سيؤثر على سيادتها كأمة حرة و كدولة عريقة إما إختيار طريق السقوط في معاهدة حماية جزائرية جديدة تتحول بموجبها لإيالة تابعة للداي الجزائري شنقريحة تأتمره بأوامره و تتحول لحكومة عميلة و بارشوك جيوسياسي تخدم مصالح الجنرالات في صراعاتهم مع المحيط الإقليمي..
أو الحفاظ على إستقلالية قرارها الوطني و السيادي بعدم الإنجرار وراء الأوهام البومدينية لحكام قصر المرادية في الهيمنة على مختلف بلدان المغرب الكبير.