حينما يستيقظ الجميع من أجل يوم جديد، يدفن هذا الرجل وجهه في الوسادة ويقفل النافذة كي يعيد الليل إلى حجرته البئيسة. كما لو حكم عليه أن يطلق للأبد كل ما يمت للحياة اليومية بصلة.
حارس الليل يكره النور والشمس. لا يطيق كل هاته الألوان التي تستيقظ صباحا بتلك البهرجة التي ترعبه فيهرول راكضا إلى بيته. هو أشبه بدراكيلا لا يحب النور، فقد تعودت عيناه النظر في الظلام مثل الخفافيش.
كهفه هو هذا الحي الذي يتحول بعد منتصف الليل إلى مكان موحش ولا تسمع سوى هسيس كلام ليلي لا يفقه معناه سوى الحارس الليلي. يتأبط عصاه ويخطو بخطوات أشبه بمن يتربص بفريسة وهمية. أما أنفه فيأخد هيأة طير جارح وقد أيقظ كل حواسه من أجل التقاط أي ذبدبة فوق الأرض.
كيف لا وهو الذي في حديث داخلي مع نفسه، كان يعترف أن حراس الليل هم من سرقوا من الكلاب مهنتهم الأولى. أكيد أنهم لا ينبحون ولكن صراخهم في قلب الليل قد يمزق أي حركة من شأنها أن تقلق هدوء الحي. ليست لهم أنياب يعضون بها لكن عصيهم كافية لغرس الرعب في أعين اللصوص. نحن كلاب ننام في النهار حينما يستقظ أهل الدار. هكذا صورت له أفكاره الوضع بشكل أفضل.
الليل أشبه بصديق لكنه صموت وممل. يأتي كل مساء ويجثم على الحي وعليه أن يرافقه في صبر ويسمع لنبضات قلبه التي لا يسمعها أحد. قرب النار التي يشعلها في الليالي الباردة يرى وجوه أطفال الحي الذي كبروا في غفلة عنه، والجيران الذين غادروا إلى لا رجعة، والموت الذي مسح أثر هؤلاء الرجال الذين كانوا كلما عبروا من أمامه لصلاة الفجر، كانوا يلقون بسلامهم عبر أصوات مازلت تقاوم زحام النعاس.
حارس الليل لم يعد يعرف طعما للمناسبات. لم يكن غيابه ليثير الشبهات، لأنه كان دوما حاضرا في لاوعي أهل الحي. إذ كلما أووا إلى فراشهم وتحسسوا دفئ الفراش، كانت صورة ذلك الرجل المنكفأ على نفسه تطل عليهم من خلال الظلال التي ترسمها تلك النار التي أشعلها في هذا الليل القاسي.
إنه هناك مثل شاهدة القبر، علامة على حياة انقلبت رأسا على عقب. كيف ينام هذا الرجل بالليل وقد حشونا رأسه بكل خوفنا الرهيب من نوايا الليل وتربصاته المهولة.
حارس الليل فزاعة متحركة ولها روح إنسان مدلهم بالخوف.