ماركريت ديراس، من أجل سينما مغامرة (بقلم ذ. ابراهيم زرقاني)

“أظهر ما لا يرى وهذا ما يهمني.”ماركريت ديراس

أحيانا تلعب الصدف دورا هاما في قراءة الكتب. لم أكن أبحث عن ماركريت ديراس، كنت أترصد مثل حيوان شرس طريدة سينمائية على شكل كتاب، لكن في لحظة انبثق كتاب “العيون الخضر” لهاته الكاتبة الفرنسية والتي تم نشر نصوصها في العدد الخاص بشهر حزيران 1980 في ذفاتر السينما بتنسيق مع الناقد السينمائي سيرج داني. كتابة تشع بنفس الوهج الذي يتخطفنا ونحن نقرأ رواياتها.

في البدء مقتطف من كتابها “الحياة المادية” نشر سنة 1986

“لا نعرف متى تكون الأشياء حاضرة هنا داخل الحياة. انها تنفلت. قلت لي في ذلك اليوم أن الحياة تبدو مضاعفة. انه بالضبط ما أحسه. حياتي فيلم مضاعف، سيء في المونتاج والتمثيل والتعديل، فيلم خطأ بالكامل. فيلم بوليسي بدون قتل، بدون شرطة ولا ضحايا بدون أي موضوع. في هذه الظروف يمكن لهذا الفيلم أن يكون حقيقيا أو لا. انه زائف. هيا اذهب لتعرف لماذا هو هكذا. أن أكون مشهدا بدون أن أقول شيئا، ان أترك نفسي للمشاهدة بدون أن أفكر خصيصا في شيء ما. انه هو بالضبط”.

ان اختيار هذا المقطع كعتبة للمرور الى نصوصها المتعددة ليس اعتباطيا ، لأنه يلخص سينما ماركريت ديراس. لأنها أنجزت أفلاما ضد السينما .أفلاما ليست سيئة لكنها تغازل كل ما هو أسوأ في الفيلم السوي. مشاهد طويلة، أحيانا لا شيء، لا كلام، شخصيات لا تعرف لماذا تتواجد داخل الاطار. صوت هادئ خارج المشهد. ترافلينغ لا نعرف أحيانا أين سيتوقف. لكنها تبقى سينما مغايرة تجتذب بنورها الملغز المشاهدين النادرين.

في هذا الكتاب تتكلم عن مخرجين تركوا أثرا واخرين لم يتركوا أثرا. حتى الأشياء التي نعتبرها تافهة تبقى لها مكانة في الذاكرة. لماركريت ديراس كلام وافر على شرف السينما والتي نستقيها من كتاب اخر خصصه لها برنار ساروت تحت عنوان ” ماركريت ديراس والسينما”. إذ تختصر تصورها لدور السينما في هاته المقاطع الثلاث :

– “إن السينما تعرف ذلك. لا يمكنها أن تأخذ مكان النص”

– “امنح أقل ما يرى، وامنح أكثر للتفكير وللسمع”

– “أظهر ما لا يرى وهذا ما يهمني.”

لا ننسى كتابتها لسيناريو فيلم ألان ريني “هيروشيما حبيبتي” سنة 1959 والذي تم ابعاده في الأول عن المنافسة بمهرجان كان لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستسغ هذا الفيلم الذي يطرح بشكل فني ما خلفته كارثة هيروشيما في الوجدان، الا أنه استطاع أن يحصل على جائزة الصحافة الدولية. لكن في سنة 1960 ستقدم له على طبق من ذهب جائزة حلقة النقد بنيويورك متحديا كل الحواجز التي رسمتها الولايات المتحدة الأمريكية في طريق هذا الفيلم المتميز والذي يحمل بصمات هاته الكاتبة التي تنظر للأشياء من خلال فلسفة الاختلاف المقنعة، وربما هاته التجربة لها دور في دخول ماركريت ديراس غمار السينما بعدما أخرج بيتر بروك فيلمه موديراتو كونتابيلي مستوحيا اياه من خلال عملها الأدبي.

سينما مغايرة وتجريبية تلك هي المغامرة السينمائية التي احتفلت بها كاتبة “العاشق”، لتظل عاشقة سرمدية لسينما تشبهها.