سيف العدالة لا غمد له باستثناء العدالة الاسبانية التي لها رأي آخر ! (بقلم ذ. عبد السميح الورياغلي)

طيلة مدة تواجدها على رأس وزارة الخارجية الإسبانية، لطالما صاحت الوزيرة السابقة أرانتشا غونزاليس لايا بملء فيها أن اسبانيا تدخل في خانة الديموقراطيات الكاملة، معتمدة في ذلك على مؤشر الديمقراطية التابع لوحدة الاستخبارات الاقتصادية بصحيفة الإيكونومست.

والواقع أن المواطن الإسباني قبل الأجنبي كان يعلم أن وضع إسبانيا في هاته الخانة يُجانب الصواب ويدخل بالأحرى في خانة المحاباة لدولة تنكّرت في جبة انتمائها الأوروبي لتُخفي حقيقة أمرها كبلد ينخره الفساد ولا يمت للمعنى الحقيقي للديموقراطية ولا لمبدإ الفصل بين السلط بصلة وحيث الصحافة كما القضاء يخضعون لأجندة الدولة العميقة.

لم يمر وقت كثير حتى انجلت الحقيقة ونفس القائمين على مؤشر الديموقراطية المذكور راجعوا معاييرهم وقرروا في الإصدار الأخير من تصنيفهم، خلال هذا الشهر، إرجاع إسبانيا إلى خانة الديموقراطيات المَعِيبة. والسبب هو الاختلالات في النظام القضائي. وهو ما يجرنا للحديث عن جانب مظلم ليس فقط في البناء المؤسساتي للدولة الاسبانية، بل أيضا في أحد الأسلحة التي تستعملها الدولة العميقة بإسبانيا في حربها الهجينة ضد المغرب.

وتوطئةً لذلك، نود أن نستشهد بأحد العبر المأثورة عن المفكر محمد عبده حيث قال: “إن سيف العدالة لا غمد له”، بما معناه أنه منوط به اجتثاث الظلم والفساد أينما وُجدوا دون أن يرجع إلى غمده بين الفينة والأخرى للتغاضي عن بعض رؤوس الظلم بدافع المصالح أو الاعتبارات السياسية.

كل العالم رأى كيف أن سيف العدالة الإسباني رجع إلى غمده إلى درجة أن اعتلاه الصدأ طيلة مكوث زعيم انفصاليي البوليساريو ببلدة لوغرونيو الإسبانية حيث لم يُرتّب المسؤوليات القانونية عن دخول هذا المجرم إلى التراب الإسباني بطريقة غير شرعية وتحت هوية، بل هويتين مزورتين. ذلك أن إبراهيم غالي نزل من الطائرة تحت هوية محمد بنباطوش بجواز دبلوماسي جزائري تم إصداره في نفس اليوم باسمه، مما يدل على أن الأمر تقرر في آخر لحظة بإيعاز من إسبانيا، ثم بعد أن قطع الأمتار التي تفصل الطائرة عن سيارة الإسعاف، أخذ هوية أخرى هاته المرة تحت اسم محمد عبد الله وهي نفس الهوية التي دلف بها سيارة الإسعاف وسُجّل بها في مستشفى لوغرونيو.

كما ان سيف العدالة الإسبانية لم يُرتِّب النتائج عن مشاركة مسؤولين اسبان كبار في عملية التزوير المزدوجة هاته وعلى رأسهم رئيس الحكومة نفسه بيدرو سانتشيز ووزيرة الخارجية السابقة لايا ومدير ديوانها، بل وحتى رئيسة الحكومة المحلية في لاريوخا والتي تنتمي لنفس حزب بيدرو سانتشيز الاشتراكي العمالي الذين كانوا كلهم على علم بمجيء المجرم إبراهيم غالي واشتركوا في خطة دخوله ثم خروجه بشكل غير قانوني من التراب الاسباني.

والأدهى في الأمر هو أن كل هؤلاء المسؤولين اجتمعوا على هدف غير شرعي يروم تمكين زعيم البوليساريو من الإفلات من القضاء خاصة وأنه كان موضوع متابعات قضائية ثقيلة جدا تتراوح بين تهم القتل الجماعي والتعذيب والإرهاب والاختفاء القسري.

ولم يرجع سيف القضاء الاسباني فقط حينها إلى غمده، بل تم تعطيله بشكل ماكر كي لا يُفضي إلى أية متابعات قضائية لا ضد المجرم إبراهيم غالي ولا ضد المسؤولين المتورطين في قضية دخوله تحت هوية مزورة. وفي غضون ذلك، تم وضع الملف بين يدي قاض معروف بولاءاته السياسية لحزب بيدرو سانتشيز وبصداقته مع القاضي بالطاثار غارسون المعروف بصداقته العميقة مع الجزائر ومع جبهة البوليساريو.

كما ضغطت النيابة العامة في اتجاه سحب كل الاتهامات ضد إبراهيم غالي وحفظ الملف. طبعا الهدف المزدوج هو واضح هنا. من جهة إرضاء الجزائر، التي تضغط بملف الغاز، عبر تبرئة زعيم صنيعتها البوليساريو، ومن جهة أخرى، الارتكاز على هاته التبرئة لسحب القضايا المرفوعة ضد مسؤولين كبار مثلا الوزيرة السابقة لايا ومدير ديوانها في استعمال الزور والمشاركة فيه.

كما يبدو جليا وبعيدا عن الشعارات الجوفاء التي يتشدق بها السياسيون الاسبان عن الصورة البهية لعدالتها، فكل ما ذكرناه آنفا يعطينا صورة واضحة عن حقيقة القضاء بإسبانيا. قضاء ينخره الفساد وينحني أمام إملاءات السياسيين.

وبعكس الأسطوانة التي أخذ يكررها على مسامعنا وزير الخارجية الحالي خوسيه مانويل ألباريث، إلى حد الرتابة، بشأن رغبة بلده في الخروج من الأزمة السياسية مع المغرب، أعادت إسبانيا الكرّة هاته المرة ولكن بطريقة أكثر رعونة من خلال قيام القضاء الاسباني يوم 11 من فبراير الحالي، بموجب حكم صادر عن المحكمة العليا، بسحب ملف الاتهامات ضد إبراهيم غالي جملة وتفصيلا والأمر بحفظه. مما يجرنا إلى الحديث عن امرين اثنين: التوقيت والمبررات.

ففيما يخص المبررات فإنها تنطوي على طعنة أخرى تجعلنا نحتار في أمر بلد أصبح يتقن استعمال مؤسساته لممارسة ما يمكن أن نسميه نفاق الدولة. ذلك أن المحكمة العليا لم تخلُص فقط الى “عدم وجود ولو حدٍّ أدنى من الحجج والدلائل التي قد تثبت الاتهامات ضد إبراهيم غالي” بل أيضا اعتمدت من بين مبرراتها “كون الشكاية لم توضح ما إذا كانت الجرائم التي تشير إليها قد اقتُرِفت ضد الصحراويين ذوي الأصول الاسبانية أم ضد الصحراويين ذوي الأصول الجزائرية”. كما ترون فالقضاء الإسباني يتنكر بذلك أصلا لوجود صحراويين مغاربة. هل يريد بذلك أصلا أن يتنكر لوجود الصحراء المغربية؟ الأمر واضح للعيان!

وفيما يخص التوقيت، فإن حفظ الملف قد تم فقط ستة أيام قبل انطلاق أشغال القمة الأوروبية-الإفريقية، مما قد لا يبدو إلا امتثالا لإملاءات الجزائر وذلك بهدف تمكين المجرم إبراهيم غالي من ولوج فضاء شنغن دون التعرض للمتابعات القضائية . والتوجه الى بروكسيل لمضايقة الوفد المغربي لهاته القمة. هي إذن طعنة أخرى في ظهر المغرب من طرف إسبانيا التي تبدي الود وتُخفي العداء!