في إطار أجندة 2063 للاتحاد الافريقي، التي جاءت لتقدم رؤية افريقية لمواكبة جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة، كان الاتحاد الافريقي قد أقر، سنة 2013، “مبادرة اسكات البنادق بإفريقيا” التي تهدف الى انهاء جميع النزاعات في إفريقيا بحلول عام 2020.
وترتكز هاته المبادرة بالأساس على العمل على انهاء الحروب والنزاعات وتعزيز الحكامة الديموقراطية، فضلا عن التصدي لتهديدات الإرهاب والجريمة المنظمة وغيرها من الآفات التي تبحث عن توسيع دائرة عدم الاستقرار لتجد فيها مرتعا لتوسيع أنشطتها الاجرامية.
وفيما يتعلق بالحصيلة، فمن الواضح أنها هزيلة جدا ولا ترقى لمستوى تطلعات الشعوب الافريقية التي سئمت من انتكاسات الاتحاد الافريقي التي تعزى الى كونها ظلت خاضعة للحسابات الضيقة لمحور الجزائر- جنوب افريقيا والتي بدورها تقوض كل المبادرات الجادة للنهوض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بالقارة الافريقية. وهو ما أدى الى تمديد هاته المبادرة الى سنة 2030 في إطار خطة للهروب الى الامام عوض الوقوف على الأسباب الحقيقية واعتماد الإصلاحات اللازمة وعلى رأسها اصلاح منظومة الاتحاد الافريقي وبشكل خاص القيام بإصلاح جذري لمجلس السلم والامن الافريقي وفق ما ينادي به المغرب.
وتبدو هاته الانتكاسات جلية ليس فقط من خلال التأخر الحاصل في إعداد خارطة الطريق المتعلقة بمبادرة اسكات البنادق بافريقيا والتي تم انتظار ثلاث سنوات أخرى من اجل اعتمادها في 2016، بل أيضا من خلال توالي مناورات تخدم اجندات موازية لا تمت لهدف اسكات البنادق بصلة، بل وتتعارض معه بشكل صارخ.
وتجدر الإشارة في هذا السياق الى انه خلال الدورة الاستثنائية الافريقية حول موضوع اسكات البنادق، التي انعقدت في 6 دجنبر 2020 مبدئيا لتقف على أسباب الخلل التي أدت الى عدم تحقيق ولو جزء بسيط من الأهداف المسطرة، فعوض تثمين قيام المغرب بتأمين معبر الكركارات بشكل كامل مما ينعكس إيجابا على الاستقرار بالمنطقة وعلى تنشيط تنقلات السلع والأشخاص، ارتآى محور الجزائر-جنوب إفريقيا، أن يدفع في اتجاه تخصيص البند 15 من نص القرار الصادر عن هاته الدورة الاستثنائية لإعادة اجترار الاسطوانة المشروخة والمغالطات المفضوحة بشأن خرق اتفاق وقف اطلاق النار وطبيعة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية وأطراف النزاع والدور المزعوم للاتحاد الافريقي في هذا النزاع الإقليمي.
ولا أدل على ان مبادرة اسكات البنادق هي آخر انشغالات محور الشر بافريقيا من أن جنوب افريقيا، عوض التفكير بشكل جدي فيما من شأنه تجنيب القارة الافريقية انتكاسة أخرى عند الوصول الى سنة تمديد مبادرة اسكات البنادق أي 2030، جعلت أولى مبادراتها بعد هاته الدورة الاستثنائية ان تتوجه في 29 من نفس الشهر، عبر مندوبها الدائم بنيويورك، برسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة لترفع اليه مخرجات الدورة الاستثنائية المذكورة، مركزة بشكل حصري على مغالطاتها حول الصحراء المغربية بينما وردت هاته المغالطات في فقرة واحدة من اصل 57 فقرة خُصصت لقضايا أخرى.
على مستوى آخر وإذا ما عرجنا على ما تتخبط فيه القارة الافريقية من اضطرابات فمن نافل القول أن سنة 2020 تمخضت في نهايتها بالدورة الاستثنائية المذكورة فولدت انقلابات عسكرية لم تشهد لها القارة مثيلا منذ عقود!
ففي غشت 2020 وبينما كانت الدورة الاستثنائية قيد التحضير، حدث انقلاب عسكري بدولة مالي، تم على إثره اعتقال الرئيس إبراهيم ابوبكر كيتا وإرغامه على التنازل عن الحكم. وفي ابريل 2021 اندلعت في التشاد احداث دامية أدت الى مقتل الرئيس بينما كان يقاوم الانقلابيين العسكريين. وفي مارس 2021 وقعت في دولة النيجر محاولة انقلابية عسكرية تم إفشالها. وفي شتنبر 2021 وقع انقلاب عسكري أدى إلى إسقاط الرئيس ألفا كوندي من الحكم. وشهرا بعد ذلك، أي في أكتوبر 2021، حدث انقلاب عسكري آخر في السودان. وفي 24 يناير 2022 استمر مسلسل الانقلابات ليعصف هاته المرة برئيس بوركينافاسو كريستيان كابوري. وأمس الثلاثاء فاتح فبراير 2021 جاء الدور على رئيس غينيا بيساو الذي تعرض لمحاولة انقلابية عسكرية كادت أن تطيح به من الحكم. ورغم التطمينات التي عبر عنها الرئيس عمر سيسوكو إمبالو بشأن السيطرة التامة على هاته المحاولة الانقلابية، إلا ان الوضعية مازال ينتابها الغموض وعدم الاستقرار.
وبغض النظر عن كون القاسم المشترك بين كل هاته الانقلابات هو انها عسكرية، مما يتوافق واجندة الجزائر التخريبية بالمنطقة الافريقية، فإنها تتقاطع أيضا في كون جلها حدث بمنطقة الساحل والصحراء حيث تنشط جماعات إرهابية معروفة بولاياتها غير المعلنة لنظام الجنرالات بالجزائر، من بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يتزعمه الجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي، الذي هو معروف بكونه احد رجالات الجنرال توفيق مدين والذي خلف على رأس هذا التنظيم الارهابي إرهابيا آخر محسوبا على المخابرات الجزائرية كان يحمل قيد حياته اسم عبد المالك درودكال.
كما يجدر ان نستحضر في هذا السياق هفوة غير مقصودة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تدين وتفضح ضلوع نظام الجزائر في انقلاب مالي. ذلك ان تبون كان قد اقر، خلال احد حواراته الدورية مع صحافة بلده انه كان على علم بانقلاب مالي ثلاثة اشهر قبل حدوثه!
وإذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن نظام الجنرالات بالجزائر يجد في تكاثر الحكومات العسكرية نسقا ملائما لخدمة اجندته بافريقيا فإن هاته السلسلة من الانقلابات التي لم تشهدها القارة الافريقية، حسب المتتبعين، منذ 1999، تُسائل الجزائر بقوة حول دورها الخفي في ذلك ولو انها خرجت ببلاغات تنديدية محررة بصيغة رتيبة وجد محتشمة.
وعلى المستوى القاري فإن كل ما سلف ذكره ينتصر بشكل جلي لموقف المغرب الذي ينادي بإصلاح جذري للاتحاد الافريقي بما يسمح بتحريره من الاجندات التخريبية ويحوله لاداة فعالة لضمان السلم والاستقرار بإفريقيا.