
في قلب مدينة وجدة ، وتحديدًا داخل أسوار “رياض المسنين” التابعة للجمعية الخيرية الإسلامية، تُروى حكايات صامتة بصوت مبحوح، عنوانها الأبرز: الوحدة بعد فقدان السند، ورسائل مؤلمة موجهة إلى من لا يزال في حضرة والديه.
المؤسسة، التي تستقبل قرابة 150 مستفيدًا من النساء والرجال، تحوّلت إلى ملاذ أخير لكثيرين أنهكهم العمر وخذلتهم الأيام، بعد أن وجدوا أنفسهم خارج دفء العائلة، دون مأوى أو سند.
من بين القصص المؤثرة، تقول إحدى النزيلات بصوت مرتجف ودموع لا تخفى:
“لا أولاد لي، ولا إخوة، والداي توفيا وبقيت وحيدة، دار المسنين احتضنتني بعدما أُغلقت كل الأبواب.
رسالتي : تهالَوا في والديكم حتى دفنهم، ولا تهملوا إخوتكم، نحن هنا نضع رؤوسنا على بعضها ونبكي بصمت… كل ليلة نترحم على أنفسنا.”
قصة تلخص معاناة من لم يجد مكانًا في قلوب أقرب الناس إليه، فكان العزاء الوحيد في مؤسّسة اجتماعية تكفلت برعايته.
نازلة أخرى تحكي قصتها والدموع تملأ عينيها:
“بعد وفاة والديّ، بقيت أنا وابنتي، لكنها عندما تزوجت، لم تعد تحتمل وجودي معها، لم أكن على وفاق معها، فقررت أن تطردني.
واضافت ، وجدتُ في دار المسنين رفقة من يقاسمني الألم، لكننا جميعًا نحمل نفس الجرح.
أقول للجميع: تهالَوا في والديكم، فأنتم لا تعرفون قيمتهم حتى ترحيلهم، الرابح من فاز برضاهم، والخاسر من فرّط فيهم.”
مدير المؤسسة، السيد بلقاسم لمزرعة، أكد في تصريح له لـ” الكوليماتور” أن الحاجة الكبرى لدى النزلاء ليست مادية أو صحية، بل عاطفية.
وقال:
“مع الأسف، أصبحت دور المسنين واقعًا مفروضًا على المجتمع. صحيح أننا نوفر الإقامة، التغذية، التطبيب، والمرافقة النفسية والاجتماعية، لكن الحقيقة أن هؤلاء الأشخاص بحاجة إلى دفء الأسرة أكثر من أي شيء آخر.”
وأوضح أن المؤسسة، التي دُشّنت سنة 2013 من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، تضم ثلاث طوابق، وتوفر غرفًا مريحة تتسع لشخصين، مجهزة بتلفاز وثلاجة وخزانة خاصة، لتوفير أجواء من الراحة والكرامة.
كما تخضع لمعايير دقيقة في استقبال النزلاء، أبرزها أن يكون الشخص فوق 60 سنة، دون عائلة أو مأوى.
وأشار إلى أن الجمعية تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الإنسانية والاجتماعية، حيث يتم أحيانًا استقبال حالات خاصة لا تنطبق عليها الشروط القانونية، لكنها في أمس الحاجة إلى المساعدة.
ورغم الخدمات المقدمة، يبقى الشعور بالفراغ العاطفي هو الجرح الأعمق. فهؤلاء المسنون لا يطلبون الكثير، فقط لحظة حنان، صوت قريب، أو زيارة تحمل دفء الماضي.
“تهالَوا في والديكم، فهم الجنة قبل الممات، والسند الحقيقي في زمن القسوة.”
رسالة صادقة، خرجت من أفواه أُمهات وجدات تقاسمن الألم، في انتظار من يعيد لقلوبهن شيئًا من النور.





