
جاء الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة، ليضع التواصل المؤسساتي في قلب النقاش الوطني حول التنمية. فقد شدد جلالته على أن الإنجازات الكبرى لا تكتمل ما لم تواكبها سياسة تواصلية فعالة، تجعل المواطن شريكًا واعيًا لا متفرجًا صامتًا. فالمشكل، كما أبرز الخطاب، لا يكمن في غياب المشاريع أو ضعف الإنجاز، بل في ضعف شرح هذه المشاريع وتأطير المواطن لفهمها والانخراط فيها.
الخطاب لم يقتصر على تشخيص الخلل، بل وجه دعوة صريحة إلى مختلف الفاعلين، من حكومة وبرلمان وأحزاب سياسية وإعلام ومجتمع مدني، لتحمل مسؤوليتهم في بناء وعي جماعي، وتقديم خطاب مقنع ومؤطر ومبني على الصدق والمعرفة. التواصل، في الرؤية الملكية، ليس ترويجًا أو دعاية، بل ممارسة ديمقراطية تُعزز الشفافية، وتعمق الثقة، وتقرب المواطن من القرار العمومي.
كما شدد جلالة الملك على أن التنمية الحقيقية لا تُقاس فقط بحجم المشاريع أو قيمة الاستثمارات، بل بمدى إدراك المواطن لجدوى السياسات العمومية، وتأثيرها المباشر على حياته اليومية. وهذا يقتضي اعتماد مقاربة تشاركية في شرح القرارات وربطها بأهدافها الاجتماعية والإنسانية، لأن شرعية الإنجاز لا تكتمل دون وعي جماعي بمضمونه.
وفي ختام خطابه، دعا جلالته إلى بناء ثقافة سياسية جديدة، يكون فيها التواصل والتأطير مسؤولية جماعية دائمة، تشارك فيها الدولة بكل مؤسساتها إلى جانب المجتمع. إنها دعوة إلى ثورة هادئة في الذهنيات، تُواكب صعود المغرب الاقتصادي بمستوى مماثل من النضج الفكري والمواطنة الواعية، وتجعل من الإنسان محورًا لكل إصلاح، ومن المواطن شريكًا في كل تقدم.






