
- في إطار فعاليات النسخة الرابعة عشر من المهرجان الدولي المغاربي للفيلم بوجدة، الذي انعقد تحت شعار “من شاشة السينما تُبنى الجسور وتُروى القضايا”، كان الجمهور على موعد مع لحظة فنية وإنسانية استثنائية مع الفنان اللبناني الكبير مارسيل خليفة ، الذي فتح قلبه للحديث عن البدايات، وعن علاقته بالشعر والموسيقى، ومسيرته التي أصبحت مرآة لوجع الأمة وأحلامها.
يروي خليفة أن بداياته لم تكن موجهة نحو الغناء، بل نحو التأليف الموسيقي، إذ يقول:
“أنا كنت أخرج من المعهد الموسيقي، لم أكن أريد أن أغني. تخرجت من المعهد واندلعت الحرب في لبنان.
كنت شاباً صغيراً، وانحبست في قريتي أكثر من أربعة أشهر بسبب اختلاف رأيي السياسي مع محيطي، فقد كنت مع القضية الفلسطينية.
في تلك العزلة القسرية، لجأ مارسيل إلى ديوان محمود درويش، وبدأت رحلته غير المتوقعة مع الأغنية الملتزمة. أول القصائد التي لحّنها كانت “وعود العاصفة”، تلتها “أمي”، وهي قصيدة نابعة من وجعه الشخصي بعد فقدان والدته، تحوّلت لاحقاً إلى نشيد وطني.
بدهشة صادقة، يتحدث خليفة عن مدى انتشار أغنياته دون أن يدري، قائلاً: “كنت أذهب إلى بلد فأجد الأغنية سبقتني.”
لم يكن يعلم أن صوته وكلماته ستحملها الشعوب في لحظات الأمل واليأس، لتتحول إلى جزء من الذاكرة الجماعية.
وفي مفاجأة فنية، كشف خليفة أن قصيدة “نشيد الموتى”، التي لحنها من شعر محمد الفيتوري، كانت سابقة لأعماله مع درويش، حيث جاءت ضمن مسرحية قُدمت خلال الحرب اللبنانية.
وأوضح أن تجاربه الغنائية لم تقتصر على درويش، بل شملت أسماء شعرية مرموقة مثل شوقي بديع، حسن عبد الله، محمد عبد الله، طلال حيدر، سميح القاسم، وأدونيس، وغيرها من التجارب التي أغنت مشروعه الفني وعمقته.
من أبرز اللحظات التي شاركها خليفة مع جمهور الماستر كلاس من خلال اسئلة الكوليماتور، كان حديثه عن لقائه الأول بمحمود درويش، والذي جاء بعد أربع سنوات من إطلاق “وعود العاصفة”.
حدث اللقاء في منزل الكاتب اللبناني ليسخوري، بحضور أدونيس، وهناك، قال درويش له بابتسامة: “أنت تعرف هذه القصائد لمن؟ لماذا لم تسألني؟”
فرد مارسيل، معتقداً أن القصائد كانت مشاعاً عاماً، لتبدأ من هناك ”صداقة إنسانية وفنية”” استمرت حتى رحيل الشاعر.
شدّد مارسيل على أن علاقته بالشعراء لم تكن فقط علاقة فنية، بل “علاقة مع الكلمة”.
وأضاف للكوليماتور، أنه كتب موسيقى أكثر مما كتب أغانٍ، ولحّن للعديد من الآلات الشرقية، في سعي فني دائم لتجديد التراث والانفتاح على أشكال موسيقية معاصرة.
ورغم عمله الأكاديمي لسنوات، إلا أن خليفة اختار طريق الحرية، موضحاً:
“اشتغلت في العمل الأكاديمي، لكنني لم أطُل فيه… أردت أن أكون حراً. طريقي مع الموسيقى أكبر، مع الناس ومع الحياة.
ما قدّمه مارسيل خليفة خلال هذا اللقاء لم يكن فقط سرداً لمسيرته الفنية، بل كان شهادة حيّة على دور الفن في مقاومة الظلم، في بناء الجسور، وفي سرد القضايا, كما عبّر شعار المهرجان.
فصوت مارسيل، الذي حمل الكلمة الحرة، سيبقى ممتداً في ذاكرة الشعوب، تماماً كما سبقت أغنياته حضوره، وسبقت روحه حدود الجغرافيا.



