أخبارمجتمع

جنة العذاب في قلب العاصمة: مستشفى أم مسرح للميزيرية؟

بقلم: زكية لعروسي

“اللي ما شاف الموت ما كيقولش حياة المرض نعمة!” ليلة الإثنين، 26 ماي. الساعة تشير إلى الواحدة صباحا. أتلقى مكالمة هاتفية من صديق يصرخ لا يتحدث، يحكي كمن يلهث في سباق مع الهلع: قريبته تلفظ أنفاسها بصعوبة، مصابة بحمى تهد الجبال. الطبيب المنزلي لم يتردد: “إلى المستعجلات حالا”. الوجهة؟ مستشفى مولاي يوسف، جوهرة الرباط الصحية الجديدة كما يقولون… أو بالأحرى، مقبرة الوعود الكبيرة.

580 مليون درهم. مبلغ كان من المفروض أن يجعل هذا المركز نموذجا للرعاية. “وفرنا أحدث السكانيرات وأجهزة الراديو في العالم”، قالها مسؤول كبير ذات مرة وهو يلوّح أمام الكاميرات. ولكن الواقع؟ لا نقالات، لا كمامات أوكسجين، لا أنابيب تحاليل، لا سكانير، ولا كرامة! وكأن المريض مطالب بأن يحضر أدوات إسعافه معه!

“قالو ليه زغرت قالهم شكون يديك، قالهم علاش نجي أصلا؟”

ما إن وصل صديقي حتى وجد نفسه في مشهد أقرب لفيلم رعب بتقنيات متخلفة: مرضى ممددون على الأرض، يئنون في صمت القهر، وآخرون واقفون على حافة الإغماء، الأطباء قلة، الممرضون تائهون، الأمني الوحيد هو من يتحكم في من يدخل ومن يبقى خارج “جنة العذاب”. طبيب داخلي يتمتم: “الله غالب”… وتُقفل الجملة وكأنها فاتحة جنازة وطنية.

لكن المفاجأة الأعظم؟ “خلاص عاد نشوفوها”. طلبوامن صديقي الأداء قبل الخدمة! هل هو في سباق مع الموت أم ذاهب لسحب المال من الكيشي؟ في لحظة الخوف على الحياة، تتحول الإجراءات إلى لعبة بيروقراطية باردة وسخيفة.

هنا عادت بي الذاكرة إلى تجربتي الشخصية كمغتربة، حاملة طفلتي ذات الخمس سنوات ليلا إلى مستعجلات أحد المستشفيات بإحدى المدن. أول ما رأيت: مجمر وطاجين فوقه، وطبيب وممرض… هذا كل الطاقم. لا أزيدك علما قارئي العزيز أن الطبيب كان منشغلا بـ”تقشير البنان” والتلذذ بالحلويات وكأننا في عرس وليس في مستشفى. والناس؟ جروح تنزف، آهات تصرخ، أنين يتعالى، و”اللي جا للزين، جا للميزيرية”.

ساعة ونصف مرّت وأنا أترقب، وعندما دخلت أخيرا، رمق الطبيب طفلتي وقال: “ديريلها تحاليل السكر” دون فحص، دون سؤال، وكأن التشخيص يتم عبر التخمين. لحظتها فقط فهمت المعنى الحقيقي لـ”اللي شاف شي يقول الله يستر”.

إن عبارة “مزوق من برا، آش خبارك من الداخل؟” صارت دستور الصحة في بلادنا: بنايات براقة، تصريحات براقة، ومحتوى رديء، مهترئ، يقطر عجزا وميزيرية.

أين هي الوزارة؟ أين الحماية الاجتماعية؟ أين الـ580 مليون؟ هل صرفت على الطواجين، أم على صمت الألسنة التي من المفروض أن تراقب وتحاسب؟

هذا ليس استثناء، بل هو الواقع. وليس خللا، بل هو تصميم محبوك لترك المواطن يواجه الموت “بيديه عريانة، وصدره عريان، وقلبه مخلوع”.

ألم نقل: “اللي كيتسنى الصحة من مستعجلات المستشفيات، كيتسنى الما فالغربال”؟ في زمن الميزيرية، لم نعد نطلب المستشفيات العجيبة ولا التجهيزات الخارقة. نطلب فقط أن لا نموت لأنهم لا يملكون أنبوبة أوكسجين! نطلب فقط أن لا نحتقر لأننا مرضى، أن لا ندفع ثمن الإهمال من دمنا وحياتنا!

كفى من الصمت المسموم! كفى من التصريحات الوردية والواقع الرمادي!

الصحة ليست خدمة فاخرة، بل حق. والمريض ليس متسولا، بل إنسان. صرخة واحدة لا تكفي، ولكن الصمت أصبح جريمة في حق مريض يتنفس الموت وينتظر الأمل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci