أخبارفي الصميمكتاب الرأي

تونس: قيس غير السعيد!

بقلم: عبد الدين حمروش

هل أيام الرئيس التونسي، قيس سعيد، على رأس الدولة التونسية أخذت في النفاد؟ لعل مؤشرات ذلك بدأت تظهر مع تململ الشارع التونسي، من خلال مسيرات شعبية تنادي بإسقاط النظام. لقد استغرقت سنوات حكمه ولاية رئاسية كاملة، ثم تطاولت إلى ولايته الثانية، دون أن تظهر أي ملامح مبشرة، لا سياسيا، ولا اقتصاديا، ولا حقوقيا.

سارت تونس في طريق وعرة، دشنها ما سمي، في حينه، “الربيع العربي”، منذ 2010- 2011. وعلى الرغم من وعورة تلك الطريق الثورية، كان التونسيون يسيرون بدولتهم في اتجاه واضح. المشاركة السياسية، في ظل قدر من التوافق الدستوري، كان الوجه الصريح للمرحلة، على الرغم من تبعات المعاناة الاقتصادية، التي كانت تنزل بكلكلها على الحياة الاجتماعية للتونسيين. غير أن مجيء قيس سعيد إلى الرئاسة، وهو الأستاذ من خلفية غير سياسية، سيعيد عقارب الزمن السياسي التونسي إلى الوراء، وبالتالي سيعيد النقاش إلى بداياته حول الدستور. ونظرا لوجود بنية حكم قديمة، عميقة ونشيطة، في الآن نفسه، سيتم الانقلاب على كل مكتسبات 2011، إلى أن يتمخض الحال عن نظام سياسي هجين، سمته الأساس: استبداد الرئاسة.

لقد قدم قيس إلى الرئاسة، في مناخ من التفاؤل الشعبي بإمكانية قيادة البلاد نحو تحقيق قدر من الاستقرار والتنمية، بعد أن ضاق التونسيون بالتطاحنات الحزبية، ونفد صبرهم من انتظار جني أولى ثمار الثورة على نظام بنعلي. وبعكس مجرى الأمور السياسية، سينقلب قيس على كل شيء، ابتداء بالدستور، والنظام السياسي. حتى حاضنته السياسية، والنخب التي ساندته، سينقلب عليهما، وسيزج ببعض وجوهها إلى المحاكم، وإلى الاعتقال.

تونس الصغيرة، المعروفة بقوتها الناعمة على الصعيد الدولي، والملهمة بنخبها الحداثية المستنيرة، تتحول إلى دولة فاشلة يوما بعد يوم. لا استقرار سياسي، ولا تنمية اقتصادية، ولا رفاه اجتماعي. والمصيبة الكبرى، أن تونس، التي ثارت على الاستبداد، وأدت تكلفة باهظة لدحره، تغرق في الحكم المطلق لقيس، الذي لا يتوانى من محاكمة الخصوم السياسيين، والزج بهم في السجون، مثلما يحصل مع القاضي أحمد الصواب خلال هذه الأيام.

لقد أضحت تونس ضعيفة، غير واثقة، وغير موثوق بها، لا من جوارها الإقليمي، ولا من أسرتها الدولية. ليس لها، لترتمي في حضنه، إلا العسكر الجزائري، تصديقا لمقولة: استنجد غريق بغريق! تونس الحية بنخبها، والنشطة بديبلوماسيتها، وباستقلالية قرارها، صارت توصف، في ظل رئاسة سعيد، بالولاية الجزائرية. ولعل من مؤشرات تقهقر الدولة التونسية، وإدراك التونسيين لحقيقة الدرك الذي تهوي فيه البلاد، أن شرعوا في الاحتجاج على استبداد الرئيس، بدون تأطير أي حزب من الأحزاب السياسية. الاحتجاج شعبي، يقوده التونسيون أنفسهم، لا حزب من الأحزاب. ولذلك، فالتململ التونسي الأخير سيكون له ما بعده.

لقد وصلت السكين إلى العظم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci