العقارب على حدود المغرب: إيران والجزائر وتحالف السمّ في خيانة الجغرافيا والتاريخ

بقلم: زكية لعروسي

في لعبة جيوسياسية تعيد إلى الأذهان دهاء الإمبراطوريات الغابرة وتسميمها للمجال الحيوي من الداخل، تتحرك إيران والجزائر بخيوط دقيقة ولكن فتاكة، لدعم كيان انفصالي هجين يدعى البوليساريو. هذا التحالف ليس وليد اللحظة، بل هو استمرار لمنهج تخريبي عرفه التاريخ مع الفرس، كما صوره عبد الله بن المقفع في تراثه السياسي، حين وصف الطبائع التي تعشق الفتنة وتتغذى على الانشقاق. ابن المقفع، وهو من أصول فارسية لكنه انتمى فكريا إلى الثقافة العربية الإسلامية، كان من أكثر الكُتّاب دراية بطباع الفرس وأخلاقهم السياسية، وقد تحدث عنهم بنبرة نقدية واضحة، خاصة في رسائله السياسية، وأبرزها رسالته إلى “الخليفة المنصور”.

من أشهر ما ينسب إليه في وصف طبع الفتنة عند الفرس قوله: “الفرس لا يهنؤون بسلام، ولا يطيب لهم مقام إلا إذا اختلط الأمر، واشتعلت الفتنة، فهم أبناء التدبير في الخراب، وأرباب الرأي في الفتنة، لا يحسنون البناء كما يحسنون الهدم، ولا يسوسون العدل إلا إذا كان مطية للغلبة.”

هذا القول يبرز فهم ابن المقفع لطبيعة الذهنية السياسية الفارسية في سياقها الإمبراطوري، حيث يرى أن الفتنة ليست عارضا، بل طبعٌ راسخ في سلوكهم السياسي، متجذر في نزوعهم التاريخي نحو التوسع والهيمنة، حتى على حساب الدول التي يحتضنونها أو يتحالفون معها.

وهذا التحليل يظهر أن الدعم الإيراني للبوليساريو ليس تصرفا معزولا، بل استمرار لسلوك تاريخي يعود إلى عصور الإمبراطورية الساسانية وما بعدها، حين كانت الفتنة أداة توسع، والانشقاق وسيلة سلطة.

اما المسعودي، فقد قال عن الفرس: “ما دخلوا بلدا إلا مزقوه، وما صاهروا قوما إلا استباحوا أرضهم وخانوا عهدهم”. وفي هذا، يلتقي صوت التاريخ مع واقع السياسة المعاصر. الجاحظ من جهته، رأى أن: “السياسة في طباعهم لا في عقولهم، لأنهم لا يديرون الأمور إلا إذا أفسدوها أولا”، وهي جملة تختصر بدقة المنهج الإيراني الذي يخترق الأنظمة من الداخل، ثم يلبسها لبوس “المظلومية” لينشر سمّه.

اما الجزائر، فتبدو كماض من الجراح و الآن هي حاضر من الخيانة. ففي هذا المشهد ليست إلا المنفذ المحلي لتلك الأجندة. بدلا من أن تلتفت إلى جراح شعبها وأزمات مشروعيتها، تستثمر في إشعال نار الجوار، مولية ظهرها لإرادة قارية جماعية تعتبر وحدة المغرب العربي صمام أمان استراتيجي. دعمها للبوليساريو ليس فقط ماليا أو لوجستيا، بل هو اختيار عقائدي لخط التقسيم والتفتيت، وربما هو محاولة للهروب من ساحة الرفض الداخلي إلى ساحة المعارك الخارجية.

إيران، التي خربت الشرق، حارقة العراق وسوريا واليمن ولبنان، لم تجد في شمال إفريقيا إلا فرصة جديدة لزرع أشواكها، وبث سمومها، مستعملة أدوات قديمة بروح جديدة: العقيدة، المال، والتحالف مع الأنظمة المتآكلة. دعمها للبوليساريو، عسكريا واستخباراتيا، ليس حبا في “تقرير المصير”، بل كرها في الاستقرار المغربي، الذي يشكل استثناء عربيا مزعجا لطهران.

الربط بين البوليساريو والتنظيمات الجهادية في الساحل، خصوصا بعد تأكيد علاقته بالقيادي الإرهابي عدنان أبو الوليد الصحراوي، يفتح عيون العواصم الإفريقية على حجم الخطر. ما تريده إيران من هذا هو إنشاء محور عدم استقرار يمتد من الخليج إلى الأطلسي، يمر عبر ساحل هش وسكانه ضحية بين السلاح والعقيدة المستوردة.

في تندوف، حيث يتم تجنيد الأطفال وتحويلهم إلى جنود في ميليشيا ظلّت تستخدم في حرب بالوكالة، تطبخ المؤامرة على نار هادئة. الجزائر تجهز، وإيران تموّل وتسلح، والأمم المتحدة تغض الطرف، بينما تُفبرك الوقائع في قاعات المؤتمرات.

اليوم، أمام إفريقيا خيار مصيري: إما الاستسلام للعبة المحاور التخريبية، أو الانحياز إلى مشروع السيادة والاستقرار الذي تقوده الرباط. فتح قنصليات في الداخلة والعيون ليس مجرد إجراء ديبلوماسي، بل هو تصويت واضح لصالح شرعية تاريخية وجغرافية. والولايات المتحدة مطالبة بإعلان صريح يصنف البوليساريو منظمة إرهابية، ويوقف تهاونها مع الاختراق الإيراني، ف”التاريخ لا ينسى العقارب”.

الفرس الذين بثوا سمّهم في قلب بغداد، وزرعوه في جنوب لبنان، واليمن يحاولون اليوم تسميم شمال إفريقيا من بوابة الجزائر. إننا أمام حرب ناعمة، لكنها لا تقل دمارا عن أية مواجهة عسكرية. الحرب هذه المرة ضد التاريخ والجغرافيا، وضد حلم وحدة القارة، وتحريرها من تدخلات القوى التي تتغذى على ضعفنا. المغرب لا يحاصر، بل يستهدف. والردّ يجب أن يكون على مستوى الهجمة: شاملا، قويا، وجذريا.

Please follow and like us:
Pin Share