بقلم: زكية لعروسي

في عالم السياسة، حيث المصالح تتقاطع والتوازنات تتغير، يبرز مشهد جديد يعكس تحولات جذرية في موازين القوة، خصوصًا عندما تكون السياسات المتبعة قائمة على ردود الفعل العاطفية والقرارات الارتجالية. اليوم، نشهد مرحلة جديدة من التوتر بين الجزائر وفرنسا، بعدما أعلن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، عن تقييد حركة بعض الشخصيات الجزائرية البارزة ومنع دخولهم إلى الأراضي الفرنسية، مع استعداده لاتخاذ مزيد من الإجراءات إذا اقتضت الحاجة.
Relations France-Algérie: Jean-Noël Barrot affirme avoir déjà sanctionné l’Algérie “sans en faire la publicité” et être prêt à sanctionner “davantage” pic.twitter.com/iwpXCmLdV0
— BFMTV (@BFMTV) February 25, 2025
فقد برزت سياسة بوهزاز ومغامراتها غير المحسوبة كنهج سلطوي يعتمد على الخطاب الشعبوي والاستفزازي، بعيدا عن الدبلوماسية الرصينة التي تفرضها العلاقات الدولية. فبدلا من تبني رؤية إستراتيجية تحقق مكاسب فعلية للدولة، اختارت هذه السياسة التصعيد غير المبرر، مما جعل القوة الضاربة التي طالما تغنت بها تتراجع إلى الظل، غير قادرة على مجابهة التحديات بفعالية.
لقد أدت هذه السياسة إلى عزلة تدريجية، حيث فقدت البلاد العديد من حلفائها التقليديين، وازدادت الشكوك حول مدى قدرتها على المناورة في الساحة الدولية. فبدلًا من التحرك بمرونة لتحقيق المصالح الوطنية، أصبحت القرارات ترتكز على استعراض القوة الوهمي، دون أي تأثير حقيقي على الأرض. وها هي فرنسا ترد بحزم وتنهي مع زمن التساهل
لطالما شهدت العلاقات الجزائرية-الفرنسية توترات متكررة، لكن الجديد هذه المرة هو الرد الفرنسي القوي والمباشر، والذي يعكس نفاد صبر باريس من السياسات غير المتزنة. ففرنسا، التي كانت تتجنب في السابق اتخاذ خطوات صارمة ضد المسؤولين الجزائريين، باتت الآن أكثر استعدادا لفرض إجراءات عقابية، ما يعكس تغيرا جوهريًا في نهجها تجاه الجزائر.
هذا القرار الفرنسي ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو مؤشر على أن القوة الضاربة التي كانت تتباهى بها بعض الأوساط قد تآكلت بفعل سياسات خاطئة لم تستطع مجاراة المتغيرات الدولية. فبينما تسعى الدول إلى تعزيز مواقعها من خلال بناء تحالفات متينة، يجد أصحاب سياسة بوهزاز أنفسهم في عزلة متزايدة، مع فقدان القدرة على التأثير في المشهد الإقليمي والدولي. فإلى أين تتجه الأمور؟
إذا استمرت هذه السياسة، فإن النتائج ستكون كارثية على جميع الأصعدة. فالتحديات الداخلية تزداد تعقيدا، والضغط الخارجي يتصاعد، بينما تفقد الشجرة الضاربة في الريح أوراقها واحدة تلو الأخرى. في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال: هل هناك وعي حقيقي بضرورة مراجعة المسار قبل فوات الأوان، أم أن “سياسة ودبلوماسية بوهزاز ستستمر في دفع القوة الضاربة في الضلال إلى مزيد من الظلام؟ التاريخ لا يرحم، ومن لا يتعلم من دروسه يجد نفسه في الهامش، بلا نفوذ ولا تأثير.