بقلم: زكية لعروسي

في مشهد سياسي يثير التساؤلات ويعيد تشكيل خارطة العلاقات الدولية، شهدت العاصمة السعودية الرياض لقاء تاريخيا بين مسؤولين أمريكيين وروس، في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة الأوكرانية المستعرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات. وبينما رحّب البعض بهذه الخطوة، رأى آخرون أنها ليست سوى خطوة جديدة على رقعة شطرنج المصالح الدولية، حيث يُقصى الأطراف المباشرة عن طاولة المفاوضات.
المثل الشعبي “إذا كان الكبار يتفقون، فالصغار يدفعون الثمن” يعكس تمامًا موقف أوكرانيا وأوروبا من هذه المفاوضات. فبعد أربع ساعات ونصف من النقاش، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي ماركو روبيو عن “آلية تشاور” تهدف إلى تقريب وجهات النظر وحل النزاع. لكن المعضلة تكمن في أن هذه المحادثات جرت دون حضور أوكرانيا أو شركائها الأوروبيين الأساسيين، وهو ما دفع كييف إلى التعبير عن غضبها الشديد، معتبرة أن المفاوضات “على أوكرانيا ولكن دون أوكرانيا”.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي كان حينها في أنقرة للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتوانَ عن انتقاد هذه المحادثات، مطالبًا بمفاوضات “عادلة” تشمل كافة الأطراف المعنية. وهنا يبرز مثل آخر: “ما حك جلدك مثل ظفرك”، وهو ما يعكس استياء كييف من تجاهلها في قضايا تمس مستقبلها مباشرةً.
اللقاء لم يكن فقط سياسيًا، بل حمل أبعادًا اقتصادية واضحة. فقد أشار لافروف إلى أن الطرفين ناقشا “إزالة العقبات غير الضرورية” أمام التعاون الاقتصادي بين موسكو وواشنطن. وفي الوقت نفسه، تعرضت البنية التحتية النفطية الروسية لضربات أوكرانية، تسببت في انخفاض إنتاج النفط من كازاخستان بنسبة 30%. وهنا يمكننا استعارة المثل العربي: “لا يضيع حق وراءه مطالب”، في إشارة إلى محاولات أوكرانيا تقليص موارد روسيا الاقتصادية عبر استهداف بنيتها التحتية.
وبينما أوروبا تحاول استيعاب الصدمة، يدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الخط، ليعلن أنه “يملك القدرة على إنهاء الحرب”. تصريحاته هذه أثارت زوبعة سياسية، إذ أكد أنه مستعد لإرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا كجزء من الحل، وهو ما رفضته موسكو بشدة، محذرة من أن دخول قوات غربية إلى الصراع سيؤدي إلى تصعيد خطير “من أشعل النار لا يطفئها بسهولة”، في إشارة إلى الدور الأمريكي في إشعال الصراع ومحاولته الآن السيطرة على تداعياته. أما الموقف الأوروبي فهو بين المطرقة والسندان
رد الفعل الأوروبي لم يكن موحدا، لكنه مال إلى الحذر والرفض الضمني. فقد اجتمع القادة الأوروبيون في باريس لمحاولة وضع رؤية موحدة للرد على المبادرات الأمريكية والروسية. وبينما أكدوا على دعم سيادة أوكرانيا، شددوا على مبدأ “لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا”، في محاولة للتمسك بدورهم في المفاوضات. الموقف الأوروبي هنا يذكرنا بالمثل القائل: “إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب”، إذ يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مضطرا للدفاع عن مصالحه في ظل تجاذبات القوى الكبرى. مشهد بين الحلول الديبلوماسية والتحديات الاقتصادية
فما يحدث اليوم ليس سوى إعادة تشكيل لمعادلات القوى العالمية، حيث تحاول الولايات المتحدة وروسيا فرض رؤيتهما، بينما تسعى أوروبا وأوكرانيا للتمسك بمكانتهما في المعادلة. ومع استمرار التصعيد العسكري والدبلوماسي، يبقى السؤال مطروحا: هل نحن أمام حل سياسي حقيقي أم مجرد جولة جديدة من المناورات؟
يقول المثل: “اللي ما له كبير، يشتري له كبير”. لكن في السياسة الدولية، من لا يملك القوة ليجلس على الطاولة، قد يجد نفسه على الهامش، يشاهد الآخرين يقررون مصيره.