جُنْدُ أخنوش

 

 

 

بقلم: عبد الدين حمروش

نحن في شهر يناير. وعلى الرغم من ذلك، فـ “شنيولة” مازالت تزنزن فوق الرؤوس، وتدندن بأثقل الألحان. كلما قتلتَ واحدة، إلا انهالت عليك أخرى بالعض والقرص. لا تكاد أسراب شنيولة تنقطع، بل لا ينقطع صبيبها بعد أن قاطعتنا السماء بِصيّبِها. هي ست سنوات متواصلة من شنيولة، والشمس، وانحباس الماء. السحاب الممطر يكب في البحر، ولا يكب عندنا. الباحثون المناخيون، حتى الساعة، مازالوا يحللون الظاهرة الغريبة.

كنا نشكو من فتكات شنيولة خلال فصل الصيف. سرّاق الزيت بات أرحم، على الرغم من منظره الكريه. كأنه محطة فضائية، هبطت من جرم سماوي بعيد، يبدو غريبا مع ذلك. في التكنولوجيا الحديثة، العبرة مضمونة في التناهي، حيث الدقة والصغر. غير أن بهما، معاً، فازت شنيولة. هي أصغر من الدبانة أيضا. ومع ذلك، فالأخيرة، مثل سراق الزيت، أرحم وألطف. على الأقل، ظلت تعقد مع ضحاياها هدنات بالليل. واحتراما لساعات الهدنة، المؤطرة بقوانين الحرب النظيفة وأخلاقها، لا تنهال عليك إلا نهارا، على أمل أن تقتسم معك طعامك، لا قطرات دمك الشحيحة أصلا. أما شنيولة، فحروبها لا تعرف هُدَنًا، لا بالليل ولا بالنهار. غاراتها الجوية المكثفة، مثل الصواريخ والقنابل، التي كانت تسّاقطُ فوق رؤوس سكان غزة، حتى وقت قريب.

ولأن الدم حار وساخن، ولأنه أنفس ما في الإنسان، فمطلب شنيولة الدائم: أن تمتص آخر قطرة في عروقك. ومن دهائها وحيلتها، وعجيب تَخفّيها، أنك لا تدرك أنها قد أغارت عليك، إلا بعد أن تكون قد طارت، وتركت جلدك يحترق احتراقا، كأنه أرض محروقة بالفعل. ما العمل مع شنيولة يا عباد الله؟ حتى “الجماعات المحلية”، عبر مرافقها الصحية، صارت تبخل علينا بـ “الدّْوا” الفعال، لإبادة أسراب شنيولة المجتاحة في عز “الليالي”. يقال إنها لا تتكاثر إلا بوجود المجاري الآسنة. ويقال إن من الفصائل الأكثر عدوانية، تلك التي لا تخطر بالمياه العذبة أصلا. فمن أين بالمياه العذبة، وقد انحبس المطر، وجفّ الضرع؟ وبالتالي، من أين الطريق إلى شنيولة، من صنف الرحيمة بضحاياها؟

ست سنوات من الجفاف، من الشمس المسلطة علينا، فوق الرؤوس والهامات. أفلا تُطبِّق الشمس كما شنيولة، في الواقع، قاعدة: عِينِي فْعِينَكْ؟ هل من العدل أن يفعلها الكبار، ويروح فريستها الصغار؟ سنوات طوال من شنيولة. ونظيرتها أخرى من أخنوش، كأنها الدهر تضيق بوطأته النفوس. ومثل تلك السنوات، قبيلُها من الغلاء الفاحش: في اللحم الأحمر والأبيض، في السمك الأبيض والأسود، في الحليب والفروماج، في الزيت وأتاي…قال سائح أجنبيّ ( ربما هاربا من قلة حيلة يد في بلده): جئت المغرب، فلم أجد به شيئا رخيصا، إلا من بعض الخضر. لكن المسكين، لو كان زارنا السنة الفارطة، لوجد أن لمطيشة والبصلة نبتت قرون، كأنها قرون الشياطين.

ألم يعدْ أخنوش المغاربة بتحقيق المناصفة في “الترابي” ذات ساعة حقيقة؟ وعلى رؤوس الأشهاد؟ إيفاء بما قطع على نفسه، ها هو رئيس حكومتنا، الذي كأنه يُسيِّر مقاولة، يفي بوعده في الزيادة في البوطا، وفي عدد شنيولة أيضا. إنها جنده المسخر، مثل جند سليمان. تماما. يُسيِّرها، أنى ومتى شاء، بأمر قادر حكيم. ولأن غليل نفسه لم يبرد بعد، فإنه يعدنا بحصة أخرى من سنوات قادمة. منذ الآن، هو لا يكف عن إغرائنا بحصص مكثفة من الترابي. كما لا يكف، نتيجة لحدبه وكرمه المعهودين، عن مواعدتنا بصنف جديد من شنيولة. من الآن، ينبغي الاستعداد لحكومة المونديال، كما يكون الاستعداد لشنيولة المونديال. الرجل قال لنا بالحرف الجازم: من العيب، أن يفوت الموعد الكروي العالمي، ولا تذوقوا من شنيولة المونديال شيئا. في ولايته الثانية الموعودة، ستكون أطيب وأحلى. شنيولة، والجفاف، والغلاء، والمونديال. حلبة السباق، في وجه الائتلاف المونديالي إلى الحكومة المقبلة، مفتوحة. وعلى مصراعيها، وأوسع ذراعيها. لاشكّ في أن متابعة المقابلات ستكون مضمونة، والفرجة ستكون ممتعة. لا شك في ذلك. انتظروا، حتى موعد المونديال، تَرَوْا.