باريس ـ زكية لعروسي
شهدت باريس اليوم ندوة نسوية استثنائية جمعت أصواتاً من المغرب العربي وفرنسا، حيث تم التطرق إلى قضية تصاعد العنف ضد النساء في بلداننا الأم. تناولت النقاشات قضايا شائكة تتعلق بالإرث ودوره في تكريس التفاوت بين الجنسين، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة. برزت مطالبات ملحّة لتحقيق العدالة بين الرجل والمرأة، في سياق يعكس حاجة ماسة إلى إعادة النظر في القوانين التقليدية التي تفتقر إلى مواكبة العصر.
أثار انتباهي خلال النقاش محاولة حصر ظاهرة العنف ضد النساء في المجتمعات العربية والمغاربية، وكأن هذه المشكلة تقتصر على ثقافة معينة أو منطقة بعينها. هذا التصور ليس فقط مجحفاً ولكنه يتجاهل الواقع المؤلم الذي تشير إليه الإحصاءات. في فرنسا، مثلاً، تتفاقم ظاهرة العنف، لا سيما بين الأطر والمثقفين، حيث تلعب ضغوط العمل والتوتر دوراً بارزاً في تفشيها. أليس من الأجدر أن تُوجّه هذه الجهود نحو تسليط الضوء على النساء في ديار المهجر؟ أليست معاناتهن تستحق الاهتمام ذاته الذي يُمنح لقضايا النساء في البلدان الأصلية؟
طرحتُ خلال النقاش سؤالين:
1- ماذا تفعل النساء المعلقات بين عالمين في فرنسا؟ تلك اللاتي تسعى إلى التحرر والاستقلال المادي والنفسي، لكنهن يجدن أنفسهن مكبّلات بظروفهن المادية المرتبطة بالزوج، بحجة أنهن ما زلن تحت سقف واحد معه؟
إن هذه الفئة من النساء تعاني صراعاً مزدوجاً: صراعاً داخلياً لتحقيق الذات، وصراعاً مع أنظمة قانونية واجتماعية تجعل من تحررهن أمراً شاقاً، إن لم يكن مستحيلاً.
2- ألا يبدأ التحرر الحقيقي بخطوات بسيطة, كأن نتوقف عن محو إسم المرأة واستبداله بإسم زوجها فقط، وكأن هويتها الذاتية تصبح مرهونة بدوره. ألا يجدر بمجتمعاتنا التي تدّعي الديمقراطية أن تمنح الأم، كحارسة للبيت وصانعة للأجيال، مكانتها المستحقة وتقديرها العادل؟
إن هذه القضايا ليست ترفاً فكرياً، بل هي جوهر المساواة التي ننادي بها. فقبل أن نتطرق إلى معالجة ما يحدث في الخارج، علينا أن نبدأ بإصلاح محيطنا الداخلي، أو كما نقول بالعامية: “نشطبو قدّام باب دارنا أولاً”.
هذا المثل الشعبي يحمل وجهاً من الحقيقة، لكنه يفتقر إلى شمولية الرؤية؛ فالمرأة في المهجر، بين ضغوط مجتمع جديد وحصار ثقافتها الأصلية، تحتاج إلى دعم مضاعف. قضاياها ليست هامشية، بل تمثل صورة مصغّرة للصراع بين التقاليد والمعاصرة.
في ختام الندوة، خرجتُ بتساؤل عالق:
هل نحن حقاً نواجه مشكلاتنا بموضوعية، أم أننا نتخبط في تكرار سرديات مألوفة تغفل عمق الواقع وتعقيداته؟
إن العنف ضد النساء والإقصاء ليس حكراً على ثقافة بعينها؛ هو ظاهرة كونية تتطلب رؤية شمولية تُنصف النساء أينما كنّ، سواء في بلدانهن الأم أو في ديار المهجر.
فكل عصر له شهرزاده، تلك المرأة التي تحكي ليس فقط لتنقذ نفسها، بل لتصنع عالماً موازياً يعيد تعريف القوة والنجاة. هي ليست مجرد أسطورة غابرة، بل صرخة متجددة في كل زمن، تعانق الفكر وتوقظ الروح لتعيد صياغة المعنى على مسرح الحياة. شهرزاد ليست حكاية تروى وتنسى، بل روح تقاوم الانطفاء، صوت يمزق حجاب الصمت، ونبض حي يشق طريقاً يتجاوز حدود الفناء، يفتح أفقاً جديداً لكل من يقف في وجه القهر والعنف. هي ثورة متخفية في عباءة الحكاية، تتحدى الزمن والفضاء ببلاغتها وسحر كلماتها.