باريس: زكية لعروسي
حضرتُ اليوم ندوةً مشبعة بالألم والحقائق، تناولت قضية حقوق الإنسان في العراق، نظّمها مركز “ذرا” للدراسات والأبحاث في فرنسا، وحضرها نخبة من الأكاديميين والباحثين المتخصصين. غاصت النقاشات في قضايا حيوية، غير أن حديث أحد المحامين العراقيين استحوذ على اهتمامي بشكلٍ خاص، إذ سردَ بمرارة كيف تُحرم المرأة العراقية وفقًا للمذهب الجعفري من إرث الأراضي الزراعية، فلا تنال إلا ما كان مبنياً من العقارات.
وبعد أن أنهى مداخلته، لم أتمالك نفسي وطرحتُ عليه سؤالاً كان يدور في خلدي:
“ألا ترى، أستاذي، أن التغييرات الاقتصادية والاجتماعية، والواقع الذي جعل من المرأة شريكةً فاعلةً في رعاية الوالدين وتحمل أعباء الأسرة، تفرض علينا إعادة التفكير في نظام الإرث الإسلامي ككل؟ فالوضع السوسيواقتصادي الحالي يدعو بإلحاح إلى نظامٍ إرثي أكثر عدالةً، يُنصف المرأة بما يتماشى مع دورها اليوم.”
في تلك اللحظة، شعرتُ وكأنني أقف أمام مرآة تجسّد مأساة العقل العربي؛ عقلٌ متجذرٌ في عاداته، يميل دائمًا إلى إلقاء اللوم على “الآخر”، سواء أكان هذا الآخر يمثل الغرب أو أي قوة خارجية، دون أن يكلف نفسه عناء التفكير في عيوبه الذاتية. هي عقلية استسهلت التملص من النقد الذاتي، وتنكّرت لمسؤولياتها التاريخية، فعاشت في حالة يُتمٍ فكري جعلتها تقبع أسيرة لأخطاء الماضي، عاجزةً عن رؤية نصيبها في حاضرها المؤلم.
لكن أين المرأة من هذه المجالس، من هذه النقاشات المصيرية؟ غيابها عن مثل هذه المحافل لا يزيد سوى من ضبابية الرؤية، فحضورها ضرورةٌ لإعادة بناء الوعي، فهي الشريك الغائب في معظم قضايا الأمة الكبرى، وقصور رؤيتنا تجاهها هو جزءٌ من أزمة العقل العربي.
وفي خضم تلك التأملات، أدركت أن أخطر ما نفعله بأنفسنا هو تغافل عيوبنا، وأننا، برفضنا التعلم من تاريخنا، نعيد اجترار الأخطاء ذاتها التي أسقطت أسلافنا، وورطتهم في متاهات الاستبداد، حتى أضاعوا مفاتيح الأندلس. اليوم، ونحن نرى عقلنا العربي متجمداً أمام النقد الذاتي، ندرك كيف أننا نؤبد جراحنا، ونكرر زلات من سبقونا، رافضين أن نتعلم أو ننهض، تاركين أنفسنا في حالة دائمة من الضعف والتشتت.
إن بقاءنا في هذا الحال هو صنيعنا، وحده نقد الذات، والتحرر من قيود الاتكالية وعمى الأعراف، كفيلٌ بانتشالنا من واقعٍ يعيد إنتاج نفسه ويغرقنا في تكرار لا نهاية له.