*بقلم: سارة بوعزة
نستفيق كل يوم على فيديوهات اعتداءات متكررة على رجال الأمن الوطني، موثقة من قبل بعض المواطنين العابرين. أيا كان العنف، لفظيا أم جسديا، الأمور أصبحت تدعو إلى الاستغراب، ثم إلى الاستنكار والإدانة..منذ متى كان هذا التطاول، الذي صار معبرا عن تدني القيم، تجاه فئة من المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم بأسلاك الوظيفة العمومية ؟
كأن الشرطي، ومعه الدركي، ليسا من أبناء الوطن. الواقع أن في كل أسرة مغربية يوجد، على الأقل، عنصر أمن، شرطيا كان، أم دركيا، أم عسكريا، أم فردا من الوقاية المدنية. فكما لا يخفى، فمثل هذه الوظائف منتشرة لدى الأوساط البسيطة والمتوسطة تحديدا. وعلى الرغم من أن الوظائف “الأمنية” محفوفة بالصعوبات والمخاطر، إلا أنها تظل مصادر فخر وإعتزاز للأسر المغربية.
والملاحظ أن الجهاز الأمني صار يتميز بدينامية جديدة، تواكب تطلعات الحياة المدنية المتطورة، يوما بعد آخر. ذلك أن المؤسسة الأمنية (Establishment)، هي عبارة مقتطفة من الإنجليزية. ظهر مفهومها سنة 1960، وصار متجذرا ذا أهمية لدى البلدان المتقدمة.
ويعتبر دورها أساسيا في تحقيق الأمان والطمأنينة، بالسيطرة على كل انفلات أمني طارىء. ومن جهة أخرى، لدى العبارة عدة مرادفات في اللغة الفرنسية، هي عمومًا عبارات محيطية، مثل “السلطة القائمة “Le pouvoir établi، أو “الطبقة الحاكمة “La classe dirigente، أو “الطائفة الحاكمة” La caste dirigeante، أو “الأشخاص الموجودون في المكان “Les gens en place، وما إلى ذلك من مصطلحات مثل “النخب “L’élite، أو “النظام “Le système .
إن الجريمة تتطور بقدر ما يتطور البلد، ما يستلزم تطورا آخر على صعيد المؤسسة الأمنية. وقد أدى هذا المفهوم، من خلال توسع دلالته، ليشمل عدة مؤسسات، نذكر منها المؤسسات التالية: الدينية، و المالية، العسكرية، والتعليمية والسجنية… حيث كل من هذه المؤسسات تقوم بالتأطير، والمحاسبة والتسيير، والحماية.
فمثلا، عند أحدث المجتمعات و أشهرها ديمقراطية، مثل فرنسا، نجد أن الشرطة الباريسية في منطقة باربيص أو سان دونييه، صارمة جدآ إلى حد تعنيف المنحرفين والمشاغبين. ويحيل البعض تراجع مفهوم الشرطة المواطنة بأوروبا إلى تدفق النازحين و المهاجرين، واختلال السياسات الإجتماعية. من جهة أخرى، نجد أيضا، في أحياء بروكلين ومنهاتن التابعتين لولاية نيويورك، أن الشرطة الأمريكية تردع أبسط التجاوزات بإشهار السلاح الوظيفي.
غير أن ما يقع عندنا، في الدار البيضاء، فالمقاربة الأمنية تختلف عن نظيرتها في العواصم الدولية، بحكم طبيعة التدخلات الأمنية ودرجتها. ففي بعض مناطق الدار البيضاء، تلجأ السلطات الأمنية إلى مقاربة هادئة وسلسة، دون إحداث أي فزع بين المواطنين. ولعل هذه المقاربة الأمنية الناجحة، إلى حد اليوم، من شأنها أن ترتفع بالبلاد إلى مراتب عليا في سلم التنمية الأمنية. ولعل في التعاطي مع فاجعة زلزال الحوز خير مثال.
كثيرا ما كان التركيز ينصب على تدخلات رجال الأمن. وكان ذلك معروفا بانتشاره على صفحات الجرائد ووسائط الإعلام الأخرى. إلا أن الجديد، اليوم، والذي لا ينبغي السكوت عليه، هو ما يتعرض له رجال الأمن من عنف، في أثناء أداء مهامهم الوظيفية، بين الفينة والأخرى، من قبل عدد من المجرمين والجانحين. فرجال الأمن مواطنون مثل باقي المواطنين، كما قلنا. ودورهم في تثبيت الأمن والأمان والاستقرار لا غنى عنه، في أي تنمية مرجوة للبلاد. وإن باتت نظرة المواطنين إلى هؤلاء “الرجال” إيجابية مع مرور الوقت، تقديرا لأدوارهم الطلائعية في المجتمع، فإن ظهور بعض الفيديوهات التي تظهر تعرض بعضهم لبعض تدخلات المواطنين العنيفة، في أثناء أداء مهامهم الأمنية، يستدعي الشجب والاستنكار.
لكن اليوم أصبح، العنف أو الإعتداء على العناصر الأمنية أو المرافق العامة يترجم الغضب الإجتماعي الطبقي، نتيجة للفقر والبطالة وضعف المستوى المعيشي والشعور بعدم عدالة توزيع الخدمات أو حالة نفسية وترسبات تقود إلى فعل سلوك لا شعوري، وعليه يجب أن يعي العموم أن دور هذه المؤسسة أمني وليس قطاعي.
ونلاحظ كذلك ظهور نوعين من الأفراد في المجتمع الحالي، فئة متعلمة ومتمدنة، وفئة أخرى مهمشة وغير فاعلة. حيث إن لم يتم تأطيرها وإشراكها في الحياة المنتجة. سيتحولون إلى قنبلة في المستقبل القريب.
باحثة في العلوم السياسية والقانون الدولي*