في الحاجة إلى رأي عام

بقلم: سعيد بوعيطة

على الرغم من تعدد المفاهيم والمصطلحات بخصوص الرأي العام وكيفية تشكله وإثبات وجوده، فإنه لا يخرج عن كونه مجموعة من الآراء، والمواقف اتجاه قضية أو موضوع ما. سواء كانت تلك الآراء مؤيدة أو معارضة أو محايدة بغرض التأثير سلبا أو إيجابا بطرق مباشرة أو غير مباشرة على الأحداث العامة. يسعى أفراد المجتمع من خلال تلك الآراء، إلى تعديل سلوك ما، أو تغيير قرارات معينة، يتبين لهم أنه من الممكن إضرارها بالمجتمع. ليشكل الرأي العام، ردة فعل المواطن اتجاه حدث أو موقف من قضية معينة لصالح الوطن. فهل لدينا رأي عام وطني بهذا الفهم، أم أن ما ذكرناه، ينحصر في مستواها النظري/المجرد، ولا صلة له بالمعيش اليومي للمواطن؟ وهل يملك المواطن اليوم قناعات صلبة، تمكنه من المساهمة في بناء رأي عام وطني، أم أن هذا المواطن، يغير رأيه بين عشية وضحاها؟ مواطن لا رأي له ولا موقف حتى مع نفسه.

غالبا ما يردد عبارة ”واحد الرأس، كيقول لي حاجة، ورأس آخر يقول حاجة أخرى. مما يعني أن مواقفه وآراءه، تعرف التذبذب والتحول السريع. ولا تستقر على حال حتى في الأمور البسيطة، فما بالك بالقضايا الوطنية والمصيرية. مما يجعل الآراء المعول عليها، سطحية ومبنية على معطيات قد تكون غير صحيحة أو غير دقيقة. فهل الأمر كذلك؟

الآراء السطحية لا تصنع رأيا عاما

كل حديث عن رأي عام على المستوى العربي على الأقل، لا يمكن أن يكون إلا ضربا من الوهم. لأن ذلك يستوجب وعيا حقيقيا وروحا وطنية سليمة، تساهم في بناء الرأي العام الحقيقي للحصول على نتائج دقيقة وعميقة لاتخاذ القرارات وبناء الخطط والاستراتيجيات عبر تكامل مختلف العلوم (علوم الاتصال والإعلام والعلاقات العامة والسياسة وعلم النفس والاجتماع …الخ) بناء على قياس الرأي العام.

لكن إذا كان واقع الإنسان العربي لا يؤشر على وجود هذا الرأي العام المنشود، فإن هذا الوجود قد انتقل خلال السنوات الأخيرة من العوالم الواقعية إلى العوالم الافتراضية. لكن على الرغم من أهمية هذا التحول في المواقع (من الواقعي إلى الافتراضي)، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يكون هذا الرأي العام الافتراضي المتكون اتجاه قضية معينة صحيحا ودقيقا. لأنه رأي شديد السطحية، والحساسية المفرطة، بالإضافة إلى تأثره السريع بالمتغيرات السيكولوجية وتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي، فهو محصلة جملة من عوامل وحيثيات ومؤثرات ووسائل متعددة تؤثر في قضية معينة أو عدة قضايا. مما يؤثر على قوته وتشكله وصعوبة قياسه ودراسته.

الرأي العام من الواقعي إلى الافتراضي

إن تحول الإنسان من الفضاء الواقعي المعيش إلى العوالم الإفتراضية، بسبب هيمنة مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، قد يكون محركا للرأي العام وإثارته، و جعله إحدى الطرق للفت النظر بوجود التفاعل اتجاه موضوع أو قضية معينة، فالرأي الذي ينتهي إليه الفرد من خلال عملية الإدراك اتجاه موقف أو مشكلة معينة، يطبق عليه رأي شخصي وإن اتفقت عليه الآراء الأخرى. فمع كثرة الآراء والمناقشات حول الموقف أو المشكلة، يتكون نوع من الإدراك العام عبر طرح مقترحات وآراء أشخاص آخرين مدعومة بقيام وسائل الإعلام والاتصال بتوسيع دائرة المشاركين في النقاش بحسب أهمية القضية، ومن ثم يتشكل الرأي العام. لكن إذا كان أغلب الأشخاص المتواجدون بهذه المواقع الاجتماعية الافتراضية، مزيفة وغير حقيقية في أغلبها. سواء على مستوى الهوية (الجغرافية، السياسية، الإجتماعية،…الخ)، فإنه قد يشكل نوعا من التضليل ويبني رأيا عاما مزيفا.

وسائل التواصل الاجتماعي والرأي العام المزيف

هل يمكن اعتبار ما يحدث اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي من تفاعل مع بعض الموضوعات والقضايا، يمثل الرأي العام المغربي؟ وهل إثارة متابعي تلك الوسائل لبعض القضايا العامة، يمكن الاعتداد به في إثبات وجود رأي عام وقياسه؟ واقع الحال يؤشر على أن كثيرا من المتواجدين في وسائل التواصل الاجتماعي (الحقيقية منها والمزيفة) هم تحت تأثير آراء الآخرين، أو تحت تأثير المتخصصين ببعض العلوم المختلفة. مما يؤكد عدم وجود نخبة من المتفاعلين الحقيقيين التي من الممكن أن تشكل رأيا عاما. لهذا، من الضروري إبعاد المجتمع عن وهم وجود الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي في ظل عدم إثبات وجود وأركان تشكله.

يشير جوستاف لوبون في كتابه ”سيكولوجية الجماهيرإلى أن (الناس ينحازون للرأي الذي يتمتع بشعبية حتى لو كان خاطئا أكثر من انحيازهم لرأي صادق ليس له شعبية). لهذا، من الأهم معرفة حقيقة هؤلاء المؤثرين الذين يحاولون توجيه الجماهير نحو صور ذهنية معينة وما هي دوافعهم لذلك. لتقييم الرأي العام في هذه المواقع من حيث حقيقته من عدمه، وكيفية التصدي للآراء التي تسعى لتأكيد وجود الرأي العام بشكل مزيف. لأن الرأي العام يتشكل من الإطار الاجتماعي الذي يتحرك داخل الأشخاص، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالوعي لتتجاوز القضايا والموضوعات المطروحة بتأثيرها نطاق العواطف، وتدخل نطاق الوعي والمسؤولية الذاتية والموضوعية. مما يساهم في ثبات الرأي العام ووضوحه. لأن نسبة كبيرة من الآراء في وسائل التواصل الاجتماعي، ليست خاصة بأصحابها، بقدر ما يستقونها من جهات أخرى (أفراد و مؤسسات)، مما يجعلها لا تخدم المجتمع الحقيقي للفرد.

من أجل رأي عام وطني سليم

يتشكل الرأي العام الوطني من مجموعة من الآراء والمواقف، سواء تباينت أو تقاطعت. لأن الرأي والموقف، صفة خاصة للذات، والذات الإنسانية بشكل خاص. وفرق كبير بين إبداء الرأي الخاص والتمسك به، واستعارة رأي ذات أخرى وتبنيه بوعي أوبدونه. والرأي أيًّا كان هو يعبر عن ذات خاصة. و المجتمع الذي لا يحترم الرأي ولا الموقف الخاص أو العام، ليس مجتمعا معتبرًا وموزونًا ومتوازنا. وإذا كان هناك فرق كبير بين أن تأخذ بهذا الرأي وتتبناه وتسير بموجبه أو تدعه وتتركه، فإن هناك كذلك فرق بين أن تقبل الرأي الآخر، وتحاوره فتبطله أو تصدّقه. لهذا، فمن أجل بناء رأي عام وطني يعتمد عليه، يجب التمييز بين السب والشتائم، وبين النقد والحوار والتحليل. فهل نحن على وعي بهذا التمييز الذي سيقودنا لبناء الرأي العام الخاص بنا؟ أم نحن قوم ترسخ في وعينا ولا وعينا قول الإمام علي في كتاب (نهج البلاغة) ” لا رأي لمن لا يطاع. وتذهب قناعاتنا إلى أننا مهما قلنا، أو أبدينا رأينا، فلن نغير شيئا. لهذا، نرى أن الأفضل لنا العيش والاستكانة حتى يأتينا اليقين. وينطبق علينا البيت الشعري المشهور للحطيئة: دع المكارم لا ترحل لبعتيتها وأقعد فأنت الطاعم الكاسي لكن مهما يكن، فقل رأيك…وانصرف