ربع قرن من العهد الجديد: الملك محمد السادس وملحمة التغيير والتقدم

 كتبها: أيوب العياسي

 

خلال عقدين ونصف ورغم كون جلالة الملك محمد السادس رسخ أسلوبه في الحكم، كما عمل على تتبيث المؤسسات وتقويتها والفصل بين السلط من خلال دستور 2011، مع تدعيم الديموقراطية التشاركية وإرساء توابث ملكية برلمانية دستورية ديموقراطية. ظل جلالته يقود الحكم بالروح التي أعلنها في بداية هذا الحكم والتي سميت في ذلك الحين بالعهد الجديد. إنه أسلوب جديد، يدعم مفهوما جديدا للسلطة ويسعى إلى تحقيق مؤشرات ملموسة فيما يخص التنمية البشرية والمستدامة والتنمية الإقتصادية والإجتماعية بصفة أشمل.

وهكذا أطلقت المؤسسة الملكية تباعا وفي كل مرحلة وحين مبادرات تخدم المواطن وتعطي توجيهات وخارطة طريق للعمل التنفيذي للحكومات المتعاقبة. حيث أن الفصل بين السلط تحت التحكيم والقيادة الرشيدة لجلالته، لا يمنع التعاون بينها والتعاون بين المؤسسات في تحقيق هدف إنماء وتقدم الوطن والأمة. ودائما بهذه الروح جاء العهد الجديد، ليوقع وقفة تأملية في مكامن الخلل في الحكامة والاستراتيجيات في قطاعات تنموية مختلفة لوضع نموذج تنموي جديد، يعد استراتيجية كبرى للسياسات العمومية في مختلف المجالات الإقتصادية والتنموية، مع إعطاء أهمية خاصة للقوى الناعمة ولملاءمة التكوين الدراسي بالإنتظارات التنموية الكبرى.

في كل القطاعات، بما فيها الثقافة والإعلام الذان نخبر مجالهما جيدا، بصم جلالة الملك على سياسة جديدة تنطلق من إعداد هيكلي للبنيات التحية ومعها تقنين المنظومة وإرساء شروط لحكامة جيدة، مع فتح المجال أمام المبادرة والإبداع والإبتكار. وعبقرية رئيس الدولة الحكيم، تتجسد في المساءلات والوقفات التأملية ولجان العمل والتدبير الميداني لكل تقويم ولكل سياسة عمومية جديدة. ولعل الورش الكبير للحماية الإجتماعية يعد نموذجا مهما في هذا الباب.

طيلة ربع قرن من حكم الملك محمد السادس، استخلص الشعب درسا مهما مفاده أن السرعة التي تسير بها المؤسسة الملكية في التخطيط والتدبير وترجمة البرامج على أرض الواقع، تفوق سرعة ونجاعة السرعة التي تسير بها الحكومات والمجالس المنتخبة. ليس في هذه “المسلمة” أذنى محاباة، لكنها حمالة لدروس أخرى، هي أن هذه المؤسسة التي عليها اليوم وسيبقى إجماع شعبي منطقي وبرغماتي، بقدرما هو عاطفي تحكمه بيعة وثقى وعقد عتيد، تحتاج إلى نخب جديدة قادرة على ترجمة برامجها وتدبير الشأن العام حسب توجهاتها الكبرى. وهو ما شكل أهم مكامن النكوص التي لولاها، كان ولازال ممكنا الدفع أكثر بالأوراش التنموية الكبرى التي تسطرها المؤسسة الملكية.

الجامعة وقبلها المدرسة والحزب والجمعية والإعلام ودار الشباب وحتى النادي الرياضي والفضاءات الإبداعية يتعين عليها كلها أن تكون نواة ومشاتل لتكوين ومواكبة ومصاحبة الوطنيين المنتجين للأفكار والرائدين في التدبير والإنجاز. فأمام الإجماع الذي تعرفه المؤسسة الملكية والإلتفاف حولها الذي يزيد الوطن قوة والتحاما، لا مجال في تضييع الوقت في أحاديث جانبية شعارها تخوين هذا وتلميع صورة ذاك، للإستفادة الشخصية أوالعشائرية الضيقة. يتعين الآن على القوى الحية للوطن، وإن كان بين جموعها في الهنا والهناك إختلافات بينة في التقدير والطرح وأساليب الإشتغال والتدخل، شساعة “(..) بحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان”، أن تلتف في لحمة أكثر من السابق وراء القيادة الرشيدة لعاهل البلاد، ليس وحسب لأن هكذا لحمة تقتضيها المعطيات الجيواستراتيجية والجيوسياسية الآنية والمستقبلية والأوضاع داخل المنطقة وحولها، فهذا واجب وطني لا نقاش فيه، لكن لأن الوقت قد حان لاستكمال بناء الدولة الحديثة في هذه الأرض السعيدة: دولة الحق والقانون، كما كان شعارها دوما (منذ طريق الوحدة ربما…). بمعنى كذلك دولة الإستحقاق والكفاءة في مفهومهما السامي وليس الشعاراتي الضيق. دولة كانت ومازالت وستظل رمزا للانفتاح على محيطها الجغرافي وعلى شساعة العالم وهي أجمل ملتقياته ومعابره، دون تفريط أوتنازل عن روافد هويتها العريقة. وهنا كذلك وفي المفهوم الجديد للعالم وسوقه الإقتصادي الكبير والعابر للحدود، والذي لا مفهوم جديد للسلطة فيه، في المحيد عن تملك معطيات هذا السوق الكبير ومؤشراته؛ لا يمكن مواصلة استنزاف مفاهيم ك”تامغرابيت”و “التراث” و”الهوية الوطنية”وهي أسمى من أن تصير يافطات سياسوية تؤدي إلى مفهوم عكسي قد لا يحترم الإنسان في حريته الفكرية والذاتية ويلقي به في “سجون الشوفينية” من حيث لا يدري ولا تدري هكذا شعارات. خاصة أن “الإنسان الجديد” وسط هذا السوق العالمي الكبير وهذه الأوطان المنفتحة على العالم، بقدر احترامها لسياداتها، لا يمكننا أن نتخيله خارج حريته في التنقل والتسوق افتراضيا كان أو بالذات والصفات…

إن هذه السنوات الخمس وعشرين، التي نحتفل فيها بالذكرى الفضية لحكم لا شك أن التاريخ سيسجل تميزه، على مختلف الأصعدة وبمختلف الأشكال وأيا كانت وجهات النظر والتحليل، هي خمس وعشرون سنة وضع فيها الملك محمد السادس لبنة أساسية في استكمال بناء الدولة المغربية الحديثة، ويتعين علينا أن نستمر معا في لحمة وطنية وراء جلالته، بكل القوى الحية والحساسيات وبدون تفريط في الكفاءات الحقيقية الموجودة وبمسؤولية في تكوين كفاءات ونخب جديدة وكاستينغ جديد لا يعلن القطيعة بالضرورة، بل يضمن الإستمرارية. إستمرارية الدولة بالطبع. فهي مشروعنا وهدفنا الجماعي والأسمى. ولمن له مشروع شخصي جدا، فلينصرف لقضائه، ليرحمنا ويرحمكم الله، هو نعم المولى ونعم النصير.