*بقلم: سارة بوعزة
جميل أن نرى هذه الدينامية في التواصل، والحرية في التعبير، مثلها في ذلك مثل الحقوق القانونية، والإقتصادية، والاجتماعية مثل الحق في التمدرس، والحق في السكن. نعلم، أيضا، أن وسائل التواصل ساهمت في بناء التلقائية الإيجابية، و إبراز المواهب الفردية، بقدر ما طفت على صفحاتها ومنصاتها، أيضا، التفاهة و الضحالة. ففيسبوك، مثلا، نجح في أن يكون منصة تجمع الشباب العربي، لتبادل الآراء والأفكار والخبرات، ومناقشة موضوعات لم يكن مخوّلا لهم أن يطرحوها في وسائل الإعلام العادي.
تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي، ”والفيس خاصة ”، من ضمن الأكثر استخداما وطغيانا على وسائل الإعلام الجماهيرية. ذلك أنه لا يمكن تجاهل الانتشار الضخم لهذه الشبكات بين الفئات الجماهيرية، خصوصا فئة الشباب، والأدوار التي صارت تقوم بها هذه الشبكات، في مختلف المجالات، والتي قطعت شوطا كبيرا في تلبية حاجات المستفيدين منها. وعليه، يمكن اعتبار الشبكات بنية فوقية مجتمعية متحررة من قيود الطبيعة البشرية، تستطيع أن ترضي وتزود اشباعات المتلقي عن طريق الخدمات التي تقدمها لمستخدميها. ويمكن للعضو التأثير ، و الاستفادة من أفكار الآخرين، عن طريق قراءة ما ينشرونه في هذه الصفحات، وبالتالي التفاعل معها. في الغالب، يأخذ التفاعل طابعا إيجابيا، من خلال وضع علامة الإعجاب على المنشور، والتعليق على محتواه زيادة في إثرائه، وتقاسمه مع الآخرين به في الأخير.
إن الهدف، من هذا المقال، هو التعرف على الدور الإعلامي لشبكات التواصل الاجتماعي” الفيس خاصة ”، وآثارها على الوعي العربي ايجابيا وسلبيا. فلقد استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تجعل العالم قرية صغيرة، من خلال نشر الثقافة الرقمية، وتوسيع شبكات المجتمعات الافتراضية، ومنتديات والتعلم الاجتماعي، بما خول للفرد أن يكون عضوا فعالا في مجتمعه، وباقي المجتمعات الأخرى في العالم. بقدر ما تنتشر المنجزات العلمية والرياضية، مثلا، صارت تنتشر الفضائح الأخلاقية والمالية أيضا. لقد جعلت وسائل التواصل الفضيحة عالمية، و عابرة للقارات. وفي السياق ذاته، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منفذا سهلا لنشر المواد الفكرية وترويجها، بما يؤدي إلى تغيير المظاهر الإجتماعية، إيجابيا أو سلبيا. واليوم، بات الإعلام الجديد خارج السيطرة، بحيث لم تعد له مركزية، تستطيع عبرها الدول التحكم فيه قطعا.
إن تأثير الإنترنت، وفي إطاره مواقع التواصل الاجتماعي، على اليافعين والشباب كبير، مثل تأثير استهلاك المخدرات على الدماغ بشكل كيميائي، حسب ما أشارت إليه إصدارات جمعية الطب النفسي الأميركية (أي.بي.أي)، في طبعتها الأخيرة التي نشرت عام 2009، والتي أدرجت استخدام الإنترنت، بشكل مفرط، ضمن قائمة الإدمان السلوكي.
يضاف إلى ذلك، التغيرات التي حصلت على المستوى القيمي، نتيجة تأثير مواقع التواصل الحديثة، وما أحدثه ذلك على النسيج الاجتماعي والثقافي، من خلخلة على صعيد النسق القيمي. وغير خاف أن الشباب صار ينشأ، اليوم، في عصر تتعرّض فيه المجتمعات المحافظة لكثير من الهزات الثقافية العالمية، في ظل هيمنة القيم المعاصرة، معززة بالتقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، الذي صار يميز أنماط الحياة، ومتطلباتها، الأمر الذي جعل الشباب يقع فريسة الانفصام الشخصي، والصراع بين القيم الموروثة والقيم المستوردة، ما أصابهم بالحيرة والقلق والتيه.
لقد صرنا نلاحظ، في الآونة الأخيرة، مثلا، بروز بعض النشطاء من الأفراد، على عكس المستعملين العاديين للفايسبوك، لتحقيق أغراض نفعية، عبر جعل الفضاء الأزرق منصة للتعري، والإنحلال الأخلاقي بشتى أشكاله. فقد صار البعض ينشر حياته الحميمية بأدق تفاصيلها، والبعض الآخر بات يعمل على تسخير أعضائه الجسدية “مفاتنه’، كبضاعة للربح من عائدات المشاهدات. يمكن التساؤل، الآن، عن السبب الذي أدى إلى هذا الإنفجار الإباحي للجسد؟
هل يمكن أن نعتبر أن فضاءات التواصل الإجتماعية، اليوم كبديل للمصحات النفسية عند البعض.
يبدو أن المنصات الرقمية، مثل الفيس وتيك توك، حلت محل تلك البدائل التقليدية (زيارة الأضرحة مثلا)، حيت أضحينا نلاحظ أن هناك حالة إنفراج نفسي، لدى هذه الفئة أو لدى تلك، عند تمرير “هكذا” محتويات. ذلك أنها عرِّت البؤس الجنسي واللا توازن الإجتماعي، لدى عدد من رواد منصات التواصل الرقمية، بشكل جذري. وللإشارة، فقط، ، فقد كانت بداية تنامي المحتوى التافه مع ظهور جائحة كورونا..
تستهدف المحتويات الرقمية التافهة والخادشة تمييع الذوق العام، ما كان يؤدي إلى استنفار المواطنين من مرتادي المنصات الإلكترونية (إرادة سفلى) إلى طلب التدخل الأمني والقضائي، بالتعاون مع فعاليات المجتمع المدني، لتأطير هذه السلوكات المخلة بالآداب العامة وفي حالات أخرى ردعها بعقوبات حبسية تأديبية. وبالمناسبة، فقد قامت مديرية الأمن الوطني بتفعيل منصة ” إبلاغ”، وتوجيهها إلى عموم المواطنين، بقصد التبليغ عن مثل هذه المحتويات اللاأخلاقية.
يمكن أن يكون المحتوى بسيطا، غير أنه ذو عمق وتأثير إيجابي. فمثلا، عند شباب أفارقة، في دول كملاوي وأنغولا، يبدو الرقص، وفي إطاره الحركات الإستعراضية، بمثابة وسيلة للتواصل عند الفرد، بما يدل على وجوده، أو غيابه، داخل مجموعته. كل رقصة تمرر فكرة ما أو شعورا ما… كما أنه يعتبر، أي الرقص، أفضل من الكلام من هذه الناحية. هذا، في حين أصبح الرقص عندنا نقيض الجمالية والمتعة.
كما نجد، أيضا، من المحتويات التحفيزية، التي ينشرها أغلب الشباب الأمريكي، في مدينة كاليفورنيا، التابعة لولاية لوس أنجلوس و المعروفة بمدينة التكنولوجيا والأعمال، لها علاقة بنشر منشورات حول مناخ الأعمال. من ذلك، قيام أولئك الشباب بنشر فيديوهات، حول كيفية تطوير الرأسمال، يوميا، تتم فيها مناقشة فرص التمويل، والبحث عن مستثمرين، ومنصات حاضنات لأفكارهم.
يبدو أن التنمية الاجتماعية عمل مزدوج، بحيث تتطلب تضافر إرادتين: عليا وسفلى، من أجل تحقيق تنمية فعالة و مستدامة على جميع الأصعدة.
باحثة في العلوم السياسية والقانون الدولي*