بقلم: د. أحمد موسى*
بلاد فارس أو إيران –حسب التسمية التي أقرها رضا شاه بهلوي، شاه إيران، عام 1935 كانت لقرون طويلة منشأ للتنوع الديني والمذهبي وموطنًا للثقافات المختلفة؛ من اليهودية التي كان لإيران مكانة خاصة وفريدة في كتابها المقدس وحتى البهائية التي انطلقت من إيران، قبل قرنين، لتنتشر في أرجاء كثيرة من العالم. لكن الديانة الزرادشتية (المجوسية) وتقديس أهورا مزدا تظل الديانة الوحيدة التي انصهرت فيها الهوية الإيرانية القديمة. يرجع تاريخها –حسب أرجح الأقوال- إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، وهي الديانة التي عمَّرت طويلا في إيران وراجت لألف عام قبل أن يشرق نور الإسلام على أرض بلاد فارس. ورغم انحسار هذا المعتقد، في ظل هيمنة الدين الإسلامي وتعاليمه، إلا أن الزردشتية لم تندثر كليًا، وبقي معتنقوها يمارسون شعائرهم في بلاد إيران، كما نقلوها إلى بلدان أخرى خلال هجراتهم.
ورغم إقبال الفرس على دين الإسلام وفتح أذرعهم له، إلا أنَّ ثقافة الإيرانيين ظلت مصبوغة بمعتقدات الزردشتية وعاداتها وتقاليدها. مراسم “بُرسه” مثال لهذه العادات التي قد يجهلها الإيرانيون غير الزردشتيين. وهي الطقوس التي يقيمها الزردشتيون إثر وفاة فرد من أفرادهم؛ وتختلف كليًّا عن مراسم العزاء المنتشرة بين أكثرية الشيعة في إيران.
يقول الدكتور أرشيد خورشيديان، رئيس جمعية رجال الدين الزردشتيين في طهران، موضحًا: “نحن الزردشتيين نقيم مراسم بُرسه لكننا لا نحيي مجلس الختم. نعتمر الوشاح الأبيض والقبعة البيضاء، ونقبل بنشاط على إحياء مراسم بُرسه. نطلب من حضرة أهورا مزدا المغفرة ونسأله بهجة الروح. وفي كل يوم نتضرع إلى الله في صلواتنا بأن يهبنا العلم والقدرة لكي نزجي حياتنا الدنيوية في راحة الأبدان وتكون حياتنا الأخروية سكينة للأرواح”.
يقول أحد أساقفة الزردشتية: “ليس لدينا في الدين الزردشتي عزاء. كل ما لدينا فرح وسرور، لأن أهورا مزدا جعل لكل الموجودات مصيرًا، وكل ما هو آت فيه خير. لا شك أننا نحزن لفراق فرد عاشرناه طويلا في الحياة الدنيا ونفتقده، لكننا لا نقيم حدادا ولا عزاء، ولا نندب ولا نلطم ولا نجلد أنفسنا”.
*أستاذ اللغة الفارسية والأدب المقارن، مترجم ومختص بالشؤون الإيرانية