ذاكرة الفن السابع بهوليود إفريقيا في مهب النار (كتبه: سعيد بوعيطة)

قبالة قصبة تاوريرت الشهيرة (مبنى تاريخي بُني خلال القرن الـ17 الميلادي)، يوجد متحف السينما في مدينة ورزازات. يقف الزائر أمام بوابته لالتقاط صور مع تماثيل فرعونية ضخمة، قبل أن يغوص -عبر غرف متعددة- وسط عالم سينمائي: قاعة عرش النبي سليمان، غرفة آسية زوجة فرعون، عربات رومانية، ملابس جنود رومان، تماثيل فرعونية، سجون تحت الأرض، مغارة علي بابا العجيبة، مدافع حربية، محكمة الجن،…الخ. وغيرها من الديكورات التي يحتفظ بها متحف ورزازات السينمائي والتي استخدمت في أفلام عالمية كان هذا الأستوديو موقع تصويرها. خصصت إدارة المتحف قاعة لعرض آلات تصوير قديمة وأجهزة صوت وغيرها من الآليات التي تركها صناع أفلام في ورزازات. وقاعة أخرى لعرض ملابس قديمة استعملت في تصوير أفلام تحكي عن الفترتين الفرعونية والرومانية.  أما على طول  ممرات المتحف، فتتراص ملصقات أشهر  الأفلام العالمية التي صُورت في ورزازات (أو  نواحيها)، أو داخل هذا الأستوديو .

بعض من التاريخ السينمائي لهوليود إفريقيا

تم تصوير المئات من الأفلام العالمية الشهيرة في مدينة ورزازات انطلاقاً من سنة (1897م) مع فيلم “راعي الماعز المغربي” السالف الذكر، وبعده بسنوات قليلة وبالضبط في عام (1922م) سيحمل المخرج “لوتنز مورا” عتاده البسيط ليصور في صحاري ورزازات وقصورها و قصباتها العريقة فيلمه “دماء”، كما صُورت أعمال سينمائية أخرى نذكر منها، شريط للمخرج الألماني “جيمس بوبر” الذي يحمل اسم “عندما تعود أسراب السنونو إلى أعشاشها” سنة (1927م). وبعد الأفلام السينمائية الفرنسية والألمانية، يحط الرحال بهذه المدينة الصغيرة المخرج العالمي الأمريكي الراحل “جوزيف فون ستينبريغ” لتصوير رائعته الخالدة “المغرب” سنة (1930م). حيث كان هذا الشريط من روائع الكلاسيكيات العالمية، وقد مثلت في أدوار البطولة الممثلة الشهيرة “مارلين ديتريش” والممثل المعروف “غاري كوبر. وفي سنة (1936م) تم تصوير فيلم “نداء الصمت” للمخرج الفرنسي “ليون بواريي”، وفي السنة الموالية أخرج “بيير بيلون” فيلمه “بريد الجنوب”، وبعدها بسنة أيضاً تم تصوير فيلم “قافلة الصحراء” للإنجليزي “ثورتون فريلاند”، وبعدها بفترة قصيرة فيلم “الباب السابع” لـ”أندريه زوبادا”، وفيلم “عرس الرمال” لنفس المخرج، وفيلم “الطلقة الأخيرة” للأميركي “روبير فلوري. ومن الأفلام التي لقيت أيضاً شهرة عالمية كبيرة، نجد فيلم “لورانس العرب” سنة ( 1962م) لـ”ديفيد لين”، وبطولة “بيتر أوتول” و”عمر الشريف”، وفيلم “باتون” لـ”فرانكلين شافنر” سنة (1970م)، وفيلم “الإغراء الأخير للسيد المسيح” سنة (1988) من إخراج “مارتن سكورسيزي” وبطولة “ويليام داف”، وكذا فيلم “المصارع” لـ “ريدلي سكوت” سنة (2000)، وفيلم “عودة المومياء” لـ”سيتفن سومرز” سنة (2001).

متحف هوليود إفريقيا، ذاكرة الفن السابع

يشكل هذا المتحف مَعلمة سينمائية لا يكتمل تكوين الطلبة والمهتمين بالسينما في المنطقة إلا بزيارته. يكتشفون ويعاينون إمكانية إنشاء بلاتوهات تصوير تبهر الجمهور بمواد بسيطة ومتوافرة، مثل الخشب والصباغة الزيتية وغيرهما. كما يكتشفون آلات قديمة بمثابة تحف فنية تعود لفترة كان صناع الأفلام يعتمدون فيها على آلات ضخمة للتصوير والتحميض والمونتاج.  ينظم معهد السينما  زيارات منظمة و مؤطرة للطلبة. ينتقلون من خلالها من مرحلة الاكتشاف إلى مرحلة الذاكرة. إذ يتعرفون على تاريخ السينما بالمدينة وأهم الأفلام التي صُورت في المغرب، وكذا الديكورات التي استعملت فيها والمخرجين والمنتجين والممثلين الذين تركوا توقيعهم بالمكان، لافتاً إلى أن مضمون المتحف يتقاطع مع وحدات يدرسها الطلبة في المعهد وفي شعبة السينما بكلية مراكش. يستقبل هذا المتحف زائره بسوره ذي الطابع الهندسي المغربي قبل أن يفاجأ بديكورات تحيل تارة على الحضارة الإغريقية وتارة أخرى على الحضارات القديمة في الشرق الأوسط. وهكذا سيشاهد الزائر قاعة علاج وقاعة الاجتماعات السياسية بمجلس النبلاء والكاردينالات وإسطبلات وحتى السجون. ومن أجل إبراز غنى التراث الطبيعي للمنطقة، قام المختصون في الديكور ببناء مغارة صغيرة في إشارة لأفلام الرعب العديدة التي تم تصويرها بورزازات. أما جناح الملابس فيعكس مهارة وخبرة الصانع المغربي. توجد به ملابس لتصوير أفلام تتناول فترات قديمة كاللباس اليوناني والروماني والفرعوني أو لباس المسلمين التقليدي. وبإمكان الزائر قبل خروجه من الأجنحة الداخلية، أن يرى مقاطع من أفضل الأفلام التي تم تصويرها بالمنطقة. لينتقل بذلك من الديكور الجامد إلى الصور الحية. وأخيراً يمكن للزائر بعد ذلك أن يتوجه إلى السوق الكبير غير المغطى والذي يضم خياماً تقليدية تُذَكره بالفضاءات الصحراوية. حيث يكتشف الكثير من الأدوات القديمة الغنية بقيم التقاسم والانتماء إلى حضارات عريقة. و هكذا، يمكن للسائح أن يزور هذه الأماكن ويستعمل طاولات وملابس وأواني استغلت لتصوير مجموعة من أشهر الأفلام التي صورت في المدينة.

 

                                                               ذاكرة الفن السابع في مهب النار  

تتجاوز الذاكرة الثقافية (بالمعنى الأنتروبولوجي) المجال الجغرافي/ الإقليمي الضيق. لتشكل علاقات حضارية مفتوحة ومتواصلة، وإذا كان العلماء والفقهاء وعموم الناس قادرين على الانتقال في جغرافيا واسعة بلا حدود مصطنعة، فإن الذاكرة الثقافية الخاصة تظل على علاقة بالذاكرة العامة. هذه الذاكرة الخاصة هي التي يمكننا الحديث عنها في العصر الحديث مع تشكل الدول الحديثة. أما الذاكرة الثقافية العامة، فليست في ملكية أية دولة تدعي ملكيتها لها. الذاكرة الثقافية تتعالى على ذاكرة الحدود الجغرافية، لأنها تتحول إلى ذاكرة إنسانية. وإذا كان الفن السابع خاصة وباقي الفنون يحمل أبعادا عالمية، فإن ذاكرة الفن السابع بهوليود إفريقيا (مدينة ورزازات) تندرج في هذا الإطار. فعلى الرغم من ارتباطها بالذاكرة الفنية المغربية، فإنها تحمل أبعادا عالمية وكونية. لكن هذه الذاكرة الفنية التي كانت في مهب النيران  ليلة الجمعة 21 يونيو 2024، جعلت الصدمة قوية (إذا استعرنا العبارة من الفنان عبد الهادي بلخياط). لأن  الديكورات التي احترقت تشهد على مختلف الانتاجات السينمائية والتلفزيونية التي صورت في هذا الفضاء الذي أصبح ذاكرة سينمائية تقارب نصف قرن. حيث احترقت جميع ديكورات الجناح الأيمن من المتحف وهو الجناح الأصلي والأكبر.  يمثل حوالي ثلاثة أرباع الاستديو، ويضم أهم وأكبر الديكورات. مما أدى إلى خسارة جزء من تاريخ السينما بالمدينة، واندثار جزء كبير  من ذاكرة الفن السابع المغربي. تجاوز ما هو مادي، إلى ما هو ثقافي/حضاري لهذا المتحف. فهل نحن واعون بخطورة هذا الاندثار الذي طال جزأ أساسيا من ذاكرتنا الفنية والثقافية في زمن تعمل مجموعة من البلدان التي لا ذاكرة ولا تاريخ لها، على بناء ذاكرة وتاريخ بكل الوسائل الممكنة؟ أسئلة تلوى أخرى، تحاصرنا في هذا الشأن، مما يتطلب معها معالجات أخرى.