في مرحلة الطفولة كنت وإخوتي نسأل جدتنا (خديجة بنت حمو بوعيطة رحمها الله): يا جدتنا من أين جاء جدنا الأكبر (الأصول)، فترد باقتضاب وبنوع من الفخر : نحن من الصحراء المغربية. لكن جوابها الذي يثير فينا أسئلة أخرى، يجعلنا نباغتها بسؤال آخر: لكن كيف يا جدتنا ونحن أبناء الجنوب الشرقي المغربي (مدينة ورزازات)، أخوالنا أمازيغ، وأعمامنا عرب الصحراء. تتفادى الجدة الأسئلة، فتكتفي بإماءة من رأسها. فتبقى تساؤلاتنا تحفر في عقولنا الصغيرة إلى أن جاءنا الخبر اليقين. عود على بدء
يربط أغلب الباحثين قبيلة أولاد بوعيطة بأيت لحسن، إما عمدا أو خطئا. مما ساهم في تعميق الحيرة والشك في كيفية وصول جدهم الأكبر الى الصحراء المغربية و الاستقرار بها. فالرواية الشفهية التي يتداولها الناس والتي توارثها أولاد بوعيطة جيل بعد جيل، لا مجال لسردها لتأكيدها على وصوله واستقراره مباشرة بالمنطقة التي هي أرض أولاد بوعيطة الحالية، والممتدة ما بين واد أساكا (كلميم واد نون) شمالا، وواد أوريورة (الشاطئ الأبيض) جنوبا. فعلى الرغم من أن قبيلة أولاد بوعيطة عاشت حياة الرحل، فقد اتقنت اللهجة الحسانية وتمكنت من نظم الشعر الحساني وأجادته مقارنة مع محيطها القبلي العام (ايت باعمران شمالا، وايت لحسن من الجنوب والشرق). فعلى الرغم من هيمنة ايت لحسن على المنطقة باعتبارهم من أكبر القبائل، فقد تتلمذ أغلبهم على يد أولاد بوعيطة (خاصة في الجانب الديني والأدبي). مما يجعل كل باحث في هذا الإطار، أمام سؤال محوري آخر مفاده: هل هذه الدراية باللهجة الحسانية اكتسبتها قبيلة أولاد بوعيطة من محيطها الجغرافي الذي استوطنته، أم هو موروث جاءوا به من أعماق الصحراء المغربية، وأصبحوا يتميزون به كما يتميزون بالعلم والفقه و الأدب؟
ما جاء في كتاب ”سوس العالمة”
جاء في كتاب ”سوس العالمة” للعلامة المختار السوسي في ص 139:”أبو عيطة هو يحي بن أبي بكر. عرف بهذا الاسم لأنه ذو عيطات يصرخ بها في الجهاد ضد البرتغال أوائل الدولة السعدية، وهو من أهل أوائل القرن العاشر الهجري. ويقال أنه من الشرفاء الادارسة، لهم في ذلك ظهائر يمتازون بعلمهم الى الآن، ويعيش الآن منهم العلامة قاضي كلميم (سيدي العبيد)”.
وإذا كان جد أولاد بوعيطة الذي سماه المختار السوسي يحيي بن أبي بكر قد وصل الى المنطقة في أوائل الحكم السعدي (أوائل القرن العاشر الهجري/القرن السادس عشر الميلادي)، فكيف اكتسبت قبيلة أولاد بوعيطة تقاليدها المتميزة وعاداتها الحسانية الصرفة في محيطها الحالي بدون أن تتأثر بعادات وتقاليد ولهجات القبائل الأمازيغية المجاورة لها، أو التي كانت تخالطها في الأسواق والمواسم والمراعي (خلال السنوات العجاف) ؟ إذا بحثنا خارج كتاب ”سوس العالمة”، نجد بعض الروايات الشفاهية التي ترى أن أصل تسمية أولاد بوعيطة، مشتقة من اسم جدهم الأكبر عطاء الله. حيث كانوا يطلقون عليهم أبناء عطاء، فتحول الاسم الى أبناء أبو عطاء، وباختلاطهم بباقي اللهجات الأخرى (خاصة الامازيغية)، سموا أولاد أبو عطا ثم أولاد أبو عيطة بعد ذلك، لسلاستها وسهولة تداولها. فأطلق أبناء سعيد بن عطاء الله اسم جدهم الأكبر أبو عطاء اسما على قبيلتهم. في حين تشير مصادر أخرى إلى أن هذه القبيلة تنتمي ككل القبائل المرابطية الى الغور اللمطي القديم (جنوبي الاطلس الصغير/ الجنوب الشرقي المغربي). و تنتسب إلى عبد الله بن ادريس الأصغر أو حفيده الثالث (عيسى).
أما الجد الذي انحدرت منه هذه القبيلة، فتسميه هذه المصادر -علي بوعيطة- الذي غادر ركراكة خلال القرن العاشر الهجري (ق16 م) ليستقر بمنطقة اكجكال (بسيدي إفني) على الرغم من كونها رواية تخالف مقولة استقرار اولاد بوعيطة بتكرتيلت منذ القرن التاسع. حيث عايشوا ازدهار نون لمطة ثم انحطاطها وازدهار تاكاوست (بواد نون) الى أن خلفتها كلميم. لكن على الرغم من تباين المصادر، فإنها تجمع على أن الجد الأكبر لأولاد بوعيطة جاء الى هذه المنطقة في أوائل الحكم السعدي الذي واجه المد الإبيري /البرتغالي الذي استعمر السواحل الاطلسية. فتم تجنيد حملات ضد هذا التواجد الأجنبي. فهل شارك الجد الأكبر في الجهاد و استقر بالساحل خلال تلك الحملات، أم أن الجد الأكبر باعتباره شريفا ينتمي الى ال البيت و دو علم و فقه، قد هاجر عبر الصحراء المغربية، يدعو الى الصلاح و يعلم الناس أمور دينهم؟ ما جاء في مخطوطة الفقيه سيدي العبيد
يذهب الفقيه البوعيطاوي سيدي العبيد الى أبعد من ذلك، حين يقول في إحدى مخطوطاته واصفا من خلالها التشابه بين أولاد بوعيطة وباقي قبائل الصحراء المغربية التي تعيش جنوب الساقية الحمراء: “يعمنا ما يعم سكان الصحراء دينا ولغة وتاريخا وأخلاقا وعوائد وزيا. فدينهم الاسلام ولغتهم العربية لا نخالفهم في شيء”.
ويضيف سيدي العبيد موضحا “صحيح أن جدنا قد وصل الى الصحراء مجاهدا ولكنه لم يستقر في المكان الذي نحن فيه الآن إلا بعد رجوعه من الصحراء بعد أن ذهب اليها رفقة جيش من المجاهدين. ولما تفرق الجيش هناك بعدما قتل قائده، انحاز جدنا لأولاد الدليم وتزوج منهم امرأة ومكث معهم ما شاء الله وولدت له ولد اسمه اعليو وفارقها وذهب هو وابنه واتصل بأبناء أبي السباع، وتزوج منهم بامرأة وولدت له ولدا اسمه مسعود وبقي معهم ما شاء الله، وسكن في تخوم الصحراء المغربية مع سكانها حتى مات وترك ذريته فيها يعيشون بعيش أهلها ويتزيون بزيهم ويماثلونهم في جميع الطبائع واللغة والكسوة. يتتبعون طقوس الانواء في البيداء يقصدون مواقعها ومنابت الكلأ لمرعى مواشيهم يقتاتون بألبانها ولحومها لم يعرفوا حرفة يحترفون بها غير قراءة القران والعلم وتربية المواشي والحرث. يعيشون طول حياتهم تحت أطناب الخيام لا يملكون قصورا ولا بساتين حتى الان ولا يفرق بينهم وبين أهل الصحراء إلا جاهل أو متجاهل طول دهرهم ولا يقال لهم الا زاوية من زوايا ايت الجمل من تكنة وايت الجمل هم ازرقيين وايت لحسن وايت موسى واعلي، ويكون هؤلاء هم قبائل ايت الجمل فهم يجلونهم و يوقرونهم ويحترمونهم ويعظمونهم الى تواخير الازمنة”.
إذا اخذنا بما خطه الفقيه سيدي العبيد، فهذا يعني أن جد أولاد بوعيطة لم يأت الى المنطقة الحالية بمفرده، فهل جاء بمعية أبنائه، وهل وصل إليها من الجنوب أم من الشمال، وهل وصل بمعية أبناء عديدين أم ابن واحد هو مسعود كما أسماه؟ وهل مسعود هذا هو الولي الصالح سيدي مسعود الذي يوجد ضريحه على الضفة الجنوبية لواد أساكا؟ اذا كان اخوال هذا الولي الصالح هم أبناء أبي السباع وكان احفاده يعرفون ذلك ويشهدون به، فلا يسعنا الا أن نرجح الرواية التي تؤشر على ارتباط قبيلة أولاد بوعيطة عبر التاريخ بالصحراء المغربية، وفروعها التي استقرت بمناطق مغربية أخرى (الجنوب الشرقي المغربي/ ورزازات)، نتيجة ظروف تاريخية، و طبيعية (الترحال والرعي). فتعايشوا وتصاهروا مع أمازيغ المنطقة. لهذا، فتعايش أخوالنا من أمازيغ المغرب الشرقي، وأعمامنا من الصحراء المغربية، يؤشر على أن المغرب بلد انصهار وتعايش الثقافات والأعراق. هذا هو وطن وموطن الجد الأكبر الممتد من طنجة إلى الكويرة في كل الأزمنة والعصور.