لم أقرأ للكاتب السعودي الشاب أسامة مسلم إلى حدود الساعة. وأكثر من ذلك، لم أكن أعرف اسمه، فبالأحرى كتاباته، إلى أن سمعت عن الاستقبال الجماهيري له، في أثناء استضافته بالمعرض الدولي للكتاب، في دورته الجارية بالرباط. هل الخلل كامن في ما أتابعه، بحيث لم أستطع معرفة هذا الكاتب، الذي تبين أنه له قراء عربا بالمئات، بل بالآلاف إن لم نقل بالملايين.
ما حصل من ازدحام بالمعرض، لحضور نشاط ثقافي للكاتب السعودي، يضرب مقولة ما يسمى”أزمة القراءة” في العمق. التعليقات التي واكبت الحدث، على الأقل في ما نشر من تدوينات على الفايس، ذهبت مناحي متعددة: منها ما أرجع كتابات مسلم إلى الخيال العلمي (وإلى السحر والشعوذة)، المطلوب من قبل فئات واسعة من اليافعين، ومنها ما أرجعها إلى بساطة لغتها وأسلوبها، ما جعلها مندرجة في إطار “ثقافة الضحالة”، ومنها ما وقف فيها أصحابها حائرين في تفسير الظاهرة ككل.
الاستغراب، الذي جاء في إثر التدافع الجماهيري، لحضور تقديم أسامة مسلم وكتاباته، أخذ نوعا من جلد الذات، بالنسبة إلى عدد من الكتاب، عبر مجموعة من الأسئلة: كيف يحوز هذا الكاتب “المغمور” كل هذا الصيت الجماهيري؟ كيف لم يكن بإمكاننا أن ننتبه إليه، وإلى ما يكتبه، من قبل؟ هل في كتاباتنا ما يبعدها عن القراء، بعكس ما صار يخطه هذا ال”مسلم”، الذي عرف كيف يستأثر باهتمام القراء، ومنهم اليافعون بوجه خاص؟
والأسئلة التي أطرحها، الآن، زيادة على الأسئلة السابقة المسوقة، هي: لو تكررت كتابات مسلم، في شخص كاتب آخر، هل كانت لتحوز ما حازته كتاباته حتى الآن؟ هل الأمر لا يعدو كونه ظاهرة عابرة، قيدت لها بعض “توابل” الدعاية، المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، مثلما يحدث في أثناء الإقبال على بعض”المستهلكات”، لدى بعض الفئات العمرية؟ هل يعكس الإقبال الجماهيري على “حفل” مسلم أية قيمة إضافية، على مستوى أسلوب الكتابة، وعلى الموضوع المطروق فيها؟
لقد تعودنا النظر إلى “الأدب” على أنه فن موجه إلى النخبة، وبالأخص في هذا الزمن الذي تطغى فيه ثقافة الصورة، ثابتة أم متحركة. ولذلك، فهل خروج كتابات مسلم عن هذا النسق “النخبوي” يجعلها مندرجة في إطار الفنون الجماهيرية، مثل حفلات الموسيقى وما شابه. لقد قيل الكثير عن علاقة الفن بالجمهور عموما. وفي ذلك آراء وتصورات، جعلت بعض الكتاب يأنفون من أن تكون كتاباتهم، مثلا، مدفوعة بالتوجه إلى الجماهير، إلى عمومهم أصلا، خشية أن تتهم بالسطحية والحس المشترك.
إلى أن يتم الاطلاع على كتابات مسلم السردية، وبالتالي الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المطروحة حولها (اللغة، الأسلوب، المضامين، فئات القراء، الدعاية والتسويق، إلخ)، ما ينبغي على كتابنا ومبدعينا القسوة على أنفسهم، عبر المبالغة في الإحساس بالتقصير، بالمقارنة مع شاب طارىء، جاء ليمسح الطاولة أمام أنظارهم.. ولو مؤقتا اليوم.
في نهاية المقال، هناك سؤال أخير لأطرحه: سلسلة هاري بوتر، للكاتبة البريطانية، ج. ك. رولنغ، على الرغم من انتشار نسخها الواسع، والتي قدرت فيها المبيعات بالملايين، هل تصنف ضمن مصنفات الأدب العالمي الرفيع؟